لا يضيم الله عبدًا طائعًا ولا يتركه في كربه للأبد ، فقط يبلوه ثم يزيل عنه الهم إن حسن عبادته ، ولجأ للعلي القدير ، ومن أكثر القصص التي تلجأ فيها المرأة إلى الله قصص الحمل أو الزواج ، ففي تلك القصة ابتلى الله عزوجل عبده من عبادة بتأخر الزواج ، ورغم أنها كانت فتاة على قدر من الجمال إلى أن الله لم يكتب لها الزواج وهي في سن صغيرة
فحينما أتمت عامها الرابع والثلاثين تقدم لخطبتها شاب يكبرها بعامين ، فوافقت ومنت نفسها بمستقبل سعيد ونسجت في مخيلتها كيف ستكون حياتها وكم طفلًا ستنجب ، ودارت بها الأحلام كما تدور الدائرة ، ولكن قبل عقد القران طلب منها الخطيب صورة بطاقتها الشخصية فتعجبت من الطلب ولكنها لبته
وبمجرد عودته من عندها اتصلت بها أم الخطيب وأخذت تكلمها بجفاء شديد عن سنها الكبير وضعف فرصها في الحمل والإنجاب ، حتى انجرح قلبها ، ولم تقف الأم عند هذا الحد بل ظلت تحارب حتى فرقت بينهما وانفسخت الخطبة ، فظلت الفتاة تعاني لمدة ستة أشهر حتى قررت أن تعتمر لبيت الله علها تخرج من دائرة الضيق التي حبست نفسها فيها
ورغم محاولات الشاب المتكررة للاتصال بها إلا أنها قاومت ولم ترضخ لفرصة زواج مهينة ، ولما حانت الفرصة وذهبت الفتاة لتغسل همومها وأوجاعها ببيت الله ، سمعت سيدة تقرأ في مصحفها بصوت جميل قول الله تعالى (وكان فضل الله عليك عظيمًا) ، فأخذت الدموع تسيل منها بغزارة ، فشعرت بها السيدة والتفتت إليها وراحت تربت على كتفها حتى وصلت إلى قولة تعالى : (ولسوف يعطيك ربك فترضى).فكأنما كانت الفتاة تسمع تلك الآية لأول مرة ، فقد شعرت بعدها براحة غريبة وهدوء وسكينة تغمر قلبها ، وسألتها السيدة الطيبة عن سر بكائها ، فحكت الفتاة قصتها بلا حرج دون أن تخفي شيئا ، فقالت لها السيدة : إن الله قد يجعل بين كل عسرين يسرًا ، وأنتي الآن في العسر الذي سوف يليه اليسر ، وان ما حدث لها كان من فضل الله لأن في البلاء نعمه خفية لا ندركها إلا بعض انقضاء البلاء ورفعه
ارتاحت الفتاة كثيرا لكلام السيدة الطيبة ، وبعدها غادرت الحرم عائدة إلى الفندق وظلت حتى انتهت فترة العمرة وجاء موعد الرحيل ، وفي المطار كان في استقبالها صديقتها وزوجها الذي كان ينتظر هو الأخر صديق عائد معها على نفس الطائرة ، والغريب أنه نفس الشخص الذي كان في المقعد المجاور لها ، وبعد وصول الفتاة سلمت عليهم وانصرفت مع والدها ، وما إن وصلت إلى البيت حتى وجدت صديقتها تتصل بها وتخبرها بأن هذا الصديق يرغب في الزواج بها
وأخذت تنشد في خصاله وصفاته الأشعار هي وزوجها فقد كان رجل أعمال شاب من أسرة معروفة على خلق ودين ، ولم يجدوا أفضل منها يرشحانه للارتباط به ، ولم يمض على تلك المكالمة أيام الا وقد تقدم الشاب لخطبتها ، وبعدها تم الزواج ، وعاشت معه في سعادة كبيرة فقد كان حسن الطباع كريم الخلق ، ولما تأخر الحمل قلقت الفتاة وطلبت من زوجها أن تقوم بعمل الفحوصات لكنه احتضنها وقال لها أنه سعيد معها سواء أنجبت أم لم تنجب خاصة أنها قد قاربت الـ 38 من عمرها
وتحت إلحاح منها ذهب الزوج برفقتها للطبيبة لكنها أمرتهم بالتوقف عن الفحوصات لأن الفتاة بالفعل أصبحت حامل ، فرح الزوجان كثيرًا بذلك النبأ وسافر الزوج للحج ، وطلبت الزوجة مرافقته لكنه رفض حتى لا يتأثر الحمل لكن الزوجة أصرت وقالت أن من رزقها الجنين قادر على حمايته ، وبالفعل أتمت الحج وعادت وهي في خير حال
ولم يسأل أي من الزوجان عن نوع الجنين ، فقد كانت سعادتهما كبيرة سواء كان المولود ذكرًا أو أنثى ، وكانت بطن الفتاة غريبة بعض الشيء ، ولكن الدكتور كان يعلل كبر حجمها لسنها الكبير ، ولكن حينما جاء موعد الولادة ووضعت الأم حملها وجدت من يقول لها : ما رأيك أن يكون لديك الحسن والحسين وفاطمة
لم تفهم الزوجة شيئًا في البداية ، ولكن الطبيب أخبرها أن الله قد من عليها بثلاثة أبناء ، وكأنه أراد لها أن تنجب خلفة العمر في بطن واحدة ، فأخذت الفتاة تضحك وتبكي في نفس الوقت وتذكرة سيدة الحرم الشريف التي بشرتها باليسر بعد العسر ، فالآن قد كبر أبناؤها وها هي تعيش مع ثلاثتهم بصحبة زوجها في سعادة