كاظم شاب عراقي ، لم تكن له أحلام كبيرة في هذه الحياة ، سوى أن يرضي ربه وعائلته المكونه من زوجة جميلة تصغره عشرة أعوام ، أما عن عمره فهو في الأربعين ، وطفلته ذات السنة والنصف ، كاظم كان شاب دمث الخلق ، لين الجانب ، لا يدفعه الغضب إلى الانفعال الشديد والعدوان ، ولكنه يعطف اندفاع أعصابه إلى صميم نفسه
القبض عليه :
فبعد يوم عمل طويل يعود الى بيته متعباً ، ثم ينظر إلى طفلته المدمجة القسمات ، ويديم النظر إليها وينسى ما صادفه من متاعب أثناء عمله الذي لا يرحم أى انسان ، أخذوه الأمريكان وحبسوه في سجن أبوغريب بعد سقوط بغداد ، 2003م المشؤوم..ويلات السجن :
وحاولوا أن يردوه شخصاً بلا كرامة ، كما حاولوا مع غيره ، يجبرونهم في المعتقل على الصلاة عراة ، ثم رشهم بالماء البارد في فصل الشتاء ، وإطلاق الكلاب المفترسة عليهم ، واعتلاء بعضهم على بعض وهم عراة بل وحتى اغتصاب الرجال ، وخلط النساء عاريات مع الرجال وإجبارهم كلا الجنسين على فعل الرزيلة ، وطرق كثيرة كانت كافية في أن تجري بقلبه ودمه بريق القسوة جريان البرق في السحاب الداكن ..بقي أكثر من سنة يتحمل ويلات التعذيب الأميركي ، رغم أن بغداد عانت من الترهيب والقتل مابين 2005م إلى 2008م ، ما لم تعانه حتى فلسطين من قبل المحتل ، ومازالت أساليب بشعة تبدع في التفنن في الترهيب والقتل ، وقطع أجزاء البشر وهم أحياء ، وتشويه صورة الانسان ، الذي خلقه الله في أحسن تقويم
محاولات التجنيد :
ولم يكتفي الأمريكان بالتنكيل بالسجناء ، حيث حاول الأمريكان تجنيدهم على أبناء الشعب ، وإجبارهم على الوشاية على أي شخص يعمل على مقاومة المحتل ، عرض الأمر على كاظم فرفضه ، حذروه من نتيجة الرفض فلم يأبه لترويعهم ، ورغم ذلك أطلقوا سراحه علمًا أنه كان مراقب الخطوات ، نكص كاظم على عقبيه غاضباً وهو يقول في نفسه : لعنة الرب عليكم يا أوباش !!بعد مرور الشهور:
بعد ستة شهور من إطلاق سراحه انتظر الأمريكان ، أن يهتدي كاظم ويعود إلى رشده ، ولكن هباء ، فأوقفوا يوما سيارته وكانت والدته بجانبه فأجبروه على النزول ، دار حديث طويل بينه وبينهم ، وعندما أيقنوا أن لا جدوى من طول الحديث أطلق أحد الجنود أحد كلابه باتجاه والدته المسنه ، لينقض على وجهها ويفترسها ..حاول كاظم أن ينقذ والدته ، و لكن دون جدوى لأنهم كبلوه واجبوه على أن يشاهد الحدث القاسي ، فجن جنونه وجحظت عيناه فأغمي عليه من شدة الغضب ، وبرغم مرور شهور على هذه الحادثة ، لايزال كاظم يعاني من مشكلة صراع نفسي ، وحالة انفعال كافية لأن يكون معرضاً للصدمات العصيبة في بعض الأحيان..خداع :
وحين طل الصباح عاودت اليقظة كاظم ، ليأخذ زوجته إلى الطبيب ليعالجها فوضع ابنته الصغيرة في بيت أخيه لحين عودته ، وبعد أن غادروا بنص ساعة ، وقفت سيارة همر أميركية ، لينزل منها عدد من الجنود المدججين بالأسلحة الخفيفة ، طرقوا الباب بهدوء فخرج شقيق كاظم الأكبر ، علي ، فدخلوا إلى فسحة الدار ، بعد أن فتح لهم علي الباب الخارجي
كانت فسحة الدار تتزين بحديقة خضراء ، و زهور جميلة ثم سألوا بعض الأسئلة الروتينية ، وكانت أسئلتهم تبدو طبيعية ولا تدل على سيماهم على الغضب ، أو حتى لم يظهروا لصاحب الدار أنهم في مهمة ، وهذا ما أضاف لأسارير ، علي وعائلته الأمان بعد أن زال من داخلهم الرعب
فبدؤوا يضحكون ويتسامرون مع بعض ، حتى خرجت ابنة كاظم من البيت تضحك وتهرول كقطة ، وديعة في رحاب الحديقة الخضراء ، سأل الأمريكي المترجم ليوجه سؤاله لعلي : من هذه ؟ .. أجابه علي : ابنة أخي كاظم ، ابتسم الجنود فيما بينهم وكأن ضالتهم ، فقد أتت إليهم بقدميها ، ثم سار أحدهم إليها متصنعاً الود والطيبة ، ورفعها إلى جانبه مداعباً خديها..غدر :
كان الجميع يبتسمون من مداعبات الجندي للطفلة ، فوضعها على الحائط ثم تراجع خطوتين ، ولم يتأخر في توجيه الطلقة بلمح البصر إلى الطفلة ، حتى أن أهلها لم يستطيعوا منع عملية القتل ، فأعدم الجندي الطفلة البالغه سنتين ، فتطايرت أشلاء جسمها الطاهر في الأرض ..قهر أبناء الوطن :
غادر الأمريكان على الفور ذلك البيت تاركين ورائهم ، صياح وعويل عائلة ، لم تكن تنتظر أن تنتهي مصير أفرادها بتلك الطريقة ..