قصة الحصار الذي يقتل الحب

منذ #قصص اجتماعية

كنت أدرك بعمق أنه لا يفهمني ، كان بيني وبينه جدار كالسماء أو كيان كامرأة ، نعم ، كامرأة أخرى تتقاسمني هذا الزوج المشغول أبداً عني ، يدخل مساءٌ وكأن الظلام يمتطيه من آخر الدنيا ، يعسكر في مكتبه حتى يقترب الصباح ، ويغفو إلى جانبي كبركان أخمده الإعياء لبضع سويعات

عشق صامت :
تتقاتل أيامي سنة بعد سنة ، لم تتكلل حياتنا بالنجاح الذي يجب ، ولم نرزق الطفل ، ولم أعرف كيف نطرد الصمت من بيتي ، يدخل متعباً يغيب في أوراقه لساعات ، يطلب فناجين من قهوته فنجاناً وراء الآخر ، ينتابني الشعور بأنني خادمة أكلما دخلت عليه بفنجان لا يصاحبه الكلام

أتطلع إلى صلابته ، في شعره الليلي الذي قاوم سنواته الأربعين ، في سواد عينيه الذي يرسو على طبقات من الهيبة ، في يده البارعة بامساك قلم لا يستريح

رغبة :
كان مثيراً كله ، كان كائنا لا يوقف عن إثارتي بصمته ، أو بهذا الصمت كان يغتالني ، مرات ، ثم مرات ، ومرات أخرى يعيد اغتيالي بالصمت ذاته ، أشتاق إليه ، أشتاق إلى رجولته لأغطي ضعفي ، أتحين الفرص كذئبه مفترسة ، وأشعر باللحظة الحاسمة التي سينجح فيها الهجوم ، لكن اللغة تخونني ، وتنتحر أبجدية جسدي الأنثوي في تقاطيع ذاكرتي المحاصرة ، بطفولة مطوقة ، وصِبا مسيج

عدم تفاهم :
لا

لا..يا محمد.. لا أستطيع ، أستغيث بنداء لا أعرف إن كانت تترجمه عيوني ، فلا أظن منذ أن تزوجنا أنه حدث وفكّ رموز أعماقي ، في الوقت الذي يتنفس في حفيف أوراقه في مكتبه الموصد ، كنت أجالس صورته ، وأتنفس رائحته من على الوسائد وتحت أغطية الفراش ، وأنام وصورته تحدثني ، وأنامله التي لا وجود لها تتخلل شعري ، ثم يسرقني النوم لأستفيق صباحاً على يوم جديد يوطد طول المسافة بيننا

كل الأيام نقاط صمت متواصلة ، كلها تتار هائج من الوحشة يجتاحني ، كلها تيار شوق لحبيب يقاسمني النصف الآخر من حياتي ، النصف الأكبر منه عن بعد ، يا الله !!محاولة للتقرب :
كان يسألني ذات يوم ، يبدو لي أنك بعيدة عني لماذا لا تدخلي عالمي

؟ كانت ذاكرتي ما تزال محاصرة ، كان دفتر القيم والعيون الآمرة يسري في دمي ، مازلت فتاة مهذبة في نظري ، فعن أي عالم كان يتحدث ؟ اشياؤه مرتبة ، البيت هادئ ، وأنا مطيعة ، ومجيء الأطفال مشيئة إلهية ، كان يبدو لي والداً أحياناً ، وأحيانًا أخاً أكبر ، وأحيانًا كنت أهواه لأنه زوجي ما جدوى أن أخلط الأمور إذن

النهاية والانهيار :
لقد عجلت في انهاء عمرنا المشترك ، أو ربما بالغت في كوني فتاة مهذبة ، جاء آخر يوم نقضيه معاً قبل أن ننفصل ، حين دثرني بليل عينيه الغاضبتين ، وكنت ما أزال أبحث عن مزيد من الارتواء به ، رغم تلك الكلمات القاسية التي تعصف ثغره ، وهو يقول : لا يمكن أن تكوني امرأة من لحم ودم ، أنت دمية سخفية ، لا يمكن أن تسلي رجلاً

أردته يغضب مني أكثر ، أحببت عقابه رغم بكائي ، أحببت رحيله رغم الشوق إليه ، أحببته رغم ارتمائه في حضن زوجة جديدة ، علمتني كيف تغمره بذراعيها ، وكيف تحسن الابتسام ، وكيف تكون جمال البيت وروحه بقليل من القيم ، وقليل من التصورات

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك