قصة مقولة أنتِ طالق إن لم أدخل الجنة


يزخر تاريخنا العربي بالعديد من المقولات الشائعة التي نتداولها دون أن نعرف مغزاها أوفي أي مناسبة وقيلت ، ومن تلك المقولات مقولة : أنتِ طالق إن لم أدخل الجنة وهي مقولة تبدو في تكوينها غريب ولكن لها سبب .كان هارون الرشيد متزوج من ابنة عمه زبيدة ، وهي أهم نسائه وحفيدة مؤسس الدولة العباسية أبو جعفر المنصور ، وتعد زبيدة من أهم نساء الدولة العباسية وأشهرهم ، ولقد كان لها دور كبير ومؤثر في كل الأحداث السياسية بالدولة فهي زوجة الحاكم وأم الحاكم محمد الأمين ، ولقد اشتهرت بأعمالها الخيرية حيث بنت أحواضًا للسقاية في طريق الحجاج من بغداد إلى مكة حتى سمي هذا الطريق بدرب زبيدة .بالإضافة إلى عين زبيدة الموجودة بمكة المكرمة تكريمًا لها ، وكانت زبيدة تهتم كثيرًا بالعلم والعلماء ، ولقد وفرت لكل الأدباء والباحثين والشعراء كل وسائل وسبل الراحة والبحث ، حتى حولت بغداد إلى قبلة للعلماء والباحثين والشعراء وكل مجالات العلم المختلفة ، فلقد قال عنها ابن بردي : هي أعظم نساء عصرها جمالًا ودينًا وأصلًا وصيانةً للمعروف .فقد كان لها الفضل الكثير على الأطباء والعلماء والشعراء وأيضًا لها الفضل الكثير في الحضارة والعمران ، وهارون الرشيد كان من أشهر الخلفاء العباسيين العالمين بأمور دينهم ، فلقد كان من خيرة الخلفاء حيث يحج عامًا ويغزو عامًا ولقد كان يحب العلماء ويعظم حرمات الله وكان يبكي على نفسه كثيرًا .وقد تم فتح الكثير من البلدان على يديه وفي عهده عم الرخاء وكثر الخير ، حيث تميز عصره بالحضارة والعلوم وأسس المكتبة العملاقة ببغداد بيت الحكمة ، حتى أصبحت مركزًا مشعًا للمعرفة والثقافة وأصبحت قبلة للفقهاء ووجهة القراء والمحدثين ، وقد كانت مساجد بغداد تحتضن دروسهم  وحلقات علمهم .وفي يوم من الأيام وقع خلاف بين الخليفة هارون الرشيد وزوجته زبيدة فقال لها هارون الرشيد : {أنتِ طالق إن لم أكن من أهل الجنة} ثم ندم على مقولته تلك ندمًا كبيرًا ، لمكانة زوجته زبيدة الكبيرة لديه وحبه لها ، فجمع كل فقهاء المدينة وسألهم عن هذا اليمين وهل له من مخرج في الفقه ؟ ولكنه لم يجد منهم أي مخرج واختلف فقهاء بغداد في هذا الأمر .فكتب إلى سائر البلدان بأن يعلموا جميع الفقهاء حتى يفتونه في الأمر ، وبالفعل جمع كل الفقهاء وكان لكل منهم حديث مختلف وإفتاء مختلف ، ولكن لم يصل منهم إلى مخرج من تلك المقولة ، وكان الإمام الليث بن سعد ضمن هؤلاء العلماء لكنه لم يتكلم ولم يدلوا بدلوه ، فبعث له هارون الرشيد يقول : إن أمير المؤمنين يقول لك مالك لا تتكلم ؟فقال الإمام الليث بن سعد : أخبر أمير المؤمنين أن يخلي مجلسه إن أراد أن يسمع كلامي ، وبالفعل انصرف من كان بالمجلس من فقهاء وعامة ، ثم قال هارون له تكلم فقال الإمام الليث بن سعد أتكلم على  الأمان  وعلى طرح الهيبة والطاعة لي من أمير المؤمنين في جميع ما أمر به ، فقال الخليفة هارون الرشيد لك ذلك .فأمر الإمام الليث بن سعد بإحضار المصحف الشريف فأحضره الخليفة هارون الرشيد ، وطلب منه الإمام الليث بن سعد أن يقرأ سورة الرحمن فقرأها حتى بلغ الآية الكريمة {وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه جَنَّتَانِ} {سورة الرحمن ، الآية 46} ، فقال الليث بن سعد : قف هنا يا أمير المؤمنين ، فاشتد ذلك على هارون .وقال له الليث بن سعد : يا أمير المؤمنين على هذا وقع الشرط ، ثم استطرد الليث : يا أمير المؤمنين أتخاف مقام الله ؟ فقال هارون : إني أخاف مقام الله هنا قال الليث بن سعد يا أمير المؤمنين : {هي جنتان وليست جنة واحدة كما ذكر الله تعالى في كتابه الشريف}، وهنا سمع الاثنان تصفيق وفرح من وراء ستار بجانبهم ، حيث كانت تقف هناك زوجة الخليفة هارون الرشيد السيدة زبيدة .فقال له الخليفة هارون الرشيد أحسنت والله وبارك الله فيك وفي علمك ، ثم أمر الخليفة له بالجوائز والضياع بمصر وهدايا كثيرة وأموال ، وأمرت له زبيدة بضعف ما أمر به الخليفة هارون الرشيد ، ثم عاد الإمام الليث بن سعد إلى مصر بعد تلك الواقعة وقد وافقه على هذا الرأي إجماع الفقهاء .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك