قصة التمثالين المتحابين علي ونينو

منذ #قصص منوعة

هناك العديد من قصص الحب الأسطورية التي خلدها التاريخ كروميو وجوليت وقيس وليلى وعنتر وعبلة ، وهناك أيضًا علي ونينو اللذان خلدهما التاريخ بطريقة مختلفة ، عندما قام النحات الجورجي تمارا كفيسيتادزي بتصميم تمثالين لرجل وامرأة من الأسلاك المعدنية الصلبة التي تتداخل معًا في حركة دائرية تستغرق عشر دقائق .يبلغ طول التمثالين ثمانية أمتار وقد صمما بطريقة تسمح لهما بالحركة والتداخل حتى يظن الرائي أنهما شخصًا واحدًا ، فكل يوم في تمام الساعة السابعة يبدأن بالحركة ويقتربان من بعضهما لدرجة كبيرة تبدو وكأنهما يحتضنان بعضهما البعض ، ثم يتحدان كأنهما جسدًا واحد ويعودان بعدها للانفصال مرة أخرى .يقع التمثالان في مدينة باتومي لؤلؤة البحر الأسود التي تقع في جنوبي غرب جورجيا ، وهما يعدان معلمًا أساسيًا من معالم المكان وقد أبدع النحات الجورجي في إخراجهما بهذا الشكل الرائع بعد أن استلهم قصتهم من رواية علي ونينو التي تم إصدارها عام 1937م للمؤلف قربان سعيد .وهو اسم مستعار للكاتب أما اسمه الحقيقي هو ليف نسيمبوم والذي ينتمي لأسرة يهودية بأذريبجان ولكن بعد انتصار الحرب البلشيقية في روسيا ومعها الحرب العالمية الأولى هرب إلى ألمانيا ثم اتجه للنمسا ليعتنق حينها الإسلام ، وتتخذ رواية علي ونينو التي ألفها مدينة باكو الأذربيجانية موطنًا لها ، حتى أن هذه المدينة أصبحت تعرف الآن باسم مدينة علي ونينو بدلًا من باكو .وذلك تيمنًا بقصة الحب التي جمعت بين رجل أرستقراطي أذربيجاني يدعى علي خان شيرفانشير وهو مسلم شيعي وبين الأميرة الجورجية نينو وهي مسيحية أورثوذوكسية لتجسد الرواية بذلك فكرة لم الشمل وجمع المتناقضات بين العالم الأوروبي والأسيوي المسلم والمسيحي وغيرها من العادات والمعتقدات المتضاربة .كان الأسيوي علي خان بطل الرواية يدرس بإحدى المدارس الروسية وتعرف على الأميرة نينو كيبياني التي تنتمي للعالم الأوروبي وتقاليده المسيحية ، فوقع كل منهما في غرام الأخر وحينما فكر علي في طلب يد الأميرة بدأت المشاكل والاعتراضات تتوالى على هذه الزيجة التي تحاول الجمع بين الشرق والغرب .ولكن تتعقد الأمور ويتورط علي في قتل غريمه في حب الأميرة نينو ، لذا يهرب إلى داغستان ثم إيران ، وفي تلك الرواية يجسد المؤلف نوعين من الحب أولهما حب الأذربيجاني علي لمعشوقته والثاني حبه لأذربيجان وطنه حيث كان يسعى في استقلالها عن روسيا ورفض خوض الحرب العالمية مع الروس .وظل هكذا حتى حقق حلمه بإعلان جمهورية أذربيجان المستقلة ولكن استطاع الروس ضمها مجددًا ، فتشرد الحبيبين وتفرقا في بلاد القوقاز ليتعذب كل منهما بحبه للأخر ، وتنتهي الرواية بمقتل الحبيب علي خان خلال تصديه للهجوم السوفيتي دفاعًا عن موطنه .كادت هذه الرواية الرائعة أن تنسى وسط أكوام الكتب المكدسة حتى عثرت عليها الناشرة الألمانية جينا جيرمان بالصدفة في أحد أكشاك بيع الكتب المستعملة ببرلين ، ولما قرأتها ذهلت بروعتها فعملت على إخراجها للنور من جديد وترجمتها إلى العديد من اللغات حتى يستمتع بها العالم مثلما استمتعت هي .وفي عام 2016م قام المخرج البريطاني الهندي آسف كاباديا بتحويل تلك الرواية إلى فيلم سينمائي يحمل اسم علي ونينو ، ونقل من خلاله تاريخ أذربيجان قبل مائة عام بالإضافة إلى التضارب بين الثقافات التي كانت موجودة آنذاك لتخلد بذلك قصة الحبيبين ويصيران رمزًا للحب في كل العالم .فعلي ونينو هما الحب الضائع في القرن العشرين ، الحب الذي لا يعرف فرقة ولا اختلاف الذي لا يعترف سوى بالمشاعر ودقات القلب ، ولكنه ضاع ولم يتخلد منه سوى اسمه لأن المجتمعات التي ولد فيها هذا الحب جامدة لا تعترف إلا بالفوارق والانتهاكات .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك