إن ألبرت بييربوينت Albert Pierrepoint هو الملقب بالجلاد البريطاني ، حيث مارس مهنة شنق الجميع من قتلة مسلحين سيئين إلى مجرمي الحرب النازيين ، ففي 15 يوليو 1953م كان القاتل البريطاني الشهير جون كريستي على وشك أن يُعدم في سجن بينتونفيل في لندن ، ومباشرة قبل أن يتم شنقه اشتكى كريستي ويداه مكبلتان وراء ظهره من أن أنفه به حَكة ، فاتكأ الجلاد وأخبر كريستي قائلًا “لن يزعجك ذلك لفترة طويلة”.وكان اسم هذا الجلاد هو ألبرت بييربوينت ، وبين عامي 1932م وعام 1956م شنق ألبرت رقماً قياسياً من الأشخاص وفقاً للقانون البريطاني ، وفي حين أن العدد الدقيق للأشخاص لا يزال غير معروف ، تقول التقديرات الشائعة أن العدد كان 435 ، بينما صرح الرجل نفسه ذات مرة بأنهم 550 شخصًا ، ومهما كان العدد فلا يزال ألبرت بييربوينت واحدًا من أكثر القتلة الشرعيين في التاريخ الحديث .بدايات الجلاد :
كان ألبرت بييربوينت المولود في 30 مارس 1905م في يوركشاير دائمًا جلادًا ، ففي سن الحادية عشرة كتب بييربوينت في مذكراته “عندما أغادر المدرسة أود أن أكون الجلاد الرسمي ” ، لكن أحلام بييربوينت المهووسة لم تحدث عن طريق الصدفة ، فقد كان والده وعمه كلاهما جلادين وأراد بييربوينت أن يستمر في أعمال العائلة ، وقد توفي والده في عام 1922م ولكن بييربوينت ورث عنه الملاحظات واليوميات والمجلات ، التي كان يحتفظ بها حول كيفية تعليق الناس وشنقهم .وعند دراسة ملاحظات والده سعى بييربوينت إلى أن يصبح جلادًا أكثر من أي وقت مضى ، لكن عندما قدم طلبه إلى لجنة السجون رُفض وقيل له : لا توجد أماكن خالية للوظيفة ، وفي هذه الأثناء قام بتغطية نفقاته في منزله الجديد في مانشستر الكبرى ، من خلال القيام بوظائف مختلفة ومنها مثلًا إجراء عمليات تسليم البقالة بالجملة .وأخيرًا في عام 1932م حصل بييربوينت على وظيفته المنشودة ، وهي أن يكون جلادًا ، وقد حضر إعدامه الأول في دبلن في أواخر عام 1932م والذي نفذه عمه توماس بييربوينت ، وتمكن من مراقبته ومساعدته في عدد من عمليات الإعدام بعد ذلك ، ومع ذلك كان بييربوينت لا يزال من المبتدئين ، ولم يكن هناك ببساطة الكثير من عمليات الإعدام في بريطانيا في الثلاثينات ، لذا لم يحصل الجلاد الشاب المتلهف على فرصته في تنفيذ الإعدام على الفور .و في الواقع كان إعدامه الأول بأكتوبر عام 1941م ، عندما شنق زعيم العصابات والقاتل أنطونيو مانشيني في لندن ، وفي العام التالي قام بإعدام القاتل الشهيرغوردون كومينز ، الذي قتل أربع نساء وقام بتشويههم على مدى ستة أيام فقط في فبراير 1942م ، وبعد الحرب العالمية الثانية ازداد عبء عمل ألبرت بييربوينت بشكل كبير ، حيث قام بتنفيذ الأحكام في النازيين وما بعدها من أحكام بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وقام جلاد بريطانيا الأكثر شهرة بإطلاق اسم لنفسه من خلال شنق ما يقرب من 200 مجرم حرب ، كثير منهم من النازيين .وبين عامي 1945م و1949م سافر بييربوينت إلى ألمانيا والنمسا ، أكثر من 20 مرة من أجل تنفيذ الأحكام على بعض النازيين الأكثر إزعاجًا ، لارتكاب أعمال وحشية خلال الحرب وكان أحدهم هو جوزيف كريمر ، قائد أوشفيتز ثم بيرغن بيلسن الذي كان السجناء يطلقون عليه لقب “وحش بيلسن”.وكان هناك واحد آخر من المسلحين النازيين أعدمه بيربوينت هو إيرما جريس ، “ضبع أوشفيتز” الذي أصبح حارسًا في معسكر الاعتقال ، وعندما كان بييربوينت مجرد مراهق أعدم العشرات والعشرات من مجرمي الحرب ، حتى أنه شنق 13 رجلًا في يوم واحد في 27 فبراير 1948 م ، وبعد إعدام العديد من النازيين المكروهين ، أصبح بييربوينت ذائع الصيت .الندم على المهنة :
كما كسب ما يكفي من المال لشراء حانة تدعى The Poor Struggler خارج مانشستر ، (بينما كان لا يزال ينفذ عمليات الإعدام عند الحاجة) ، وكان يتوافد الناس على الحانة حتى يحصلوا على خدمات الجلاد ، لكن في عام 1950م أخذت حياة بييربوينت كجلاد يمتلك حانة منعطفًا مظلمًا حيث حُكم على أحد أعضاء حانته جيمس كوربيت ، بالإعدام لقتله الوحشي لصديقته في نوبة من الغيرة .و كان كوربيت قد ثمل في حانة بييربوينت ، وقام حتى بغناء أغنية مع بييربوينت قبل أن يتوجه إلى منزله لارتكاب جريمته ، وبعد أن حكم على كوربيت بالإعدام كان بييربوينت هو من قام بإعدامه ، وحينها قال :
إن الوقت قد حان لأندم على أداء وظيفتي
، ومع ذلك ظل يعمل كجلاد لمدة خمس سنوات أخرى .وخلال تلك الفترة أعدم مجرمين بارزين مثل القاتل جون كريستي ، وتيموثي إيفانز الرجل الذي كان قد تم شنقه عن طريق الخطأ لواحد من جرائم كريستي قبل العثور على أدلة جديدة ، وتم القبض على كريستي نفسه في 13 يوليو 1955م وأعدم بييربوينت قاتلاً بارزًا آخر وهي روث إليس ، وهي عارضة أزياء ومضيفة ليلية أطلقت النار على صديقها المسيء حتى الموت ، ونظرًا لكونها امرأة قتلت صديقًا مسيئًا في حالة من التوتر الشديد ، كان حكم الإعدام الصادر بحق إليس مثيرًا للجدل للغاية بين الجمهور البريطاني ، لدرجة أن وجهات نظر المحاكمة بشأن عقوبة الإعدام بدأت تتغير .ولكن قبل أن تتاح فرص التنفيذ بشكل كبير للغاية ، حظرت بريطانيا عمليات الإعدام في عام 1965م ، واستقال ألبرت بييربوينت عام 1956م ولم يدفع له كامل راتبه ، وهو حوالي 450 دولار وكان الحصول على كامل سعره في مثل هذه الحالة عرفيا ، ولكن ليس إلزاميًا في حالات الإعدام التي تم إلغائها قبل أن تحدث .الجلاد الهادئ السريع :
كان تراث ألبرت بييربوينت والحرفة التي امتهنها سببًا في أن يصبح مشهورًا للغاية ، وهي السبب في دعوته لقتل الناس مراراً وتكراراً وقد كان لألبرت سمعة بأنه سريع للغاية وهادئ وكفء خلال عمليات الإعدام التي نفذها ، وهذه علامة الجلاد الجيد بالإضافة إلى عدة أمور أخرى ، وهي تحديد حجم حبل المشنقة على النحو الصحيح وفقاً لجسد السجين ، وذلك لضمان الموت السريع والإنساني عن طريق كسر الرقبة.فالحبل الطويل والهبوط الطويل يمكن أن ينتهي بمثل هذه القوة بحيث يتم قطع رأس السجين ، والحبل القصير جدًا والسقوط القصير يمكن أن ينتهي بالقوة القليلة جداً ، التي لا تنكسر معها الرقبة ويخنق السجين ببطء حتى الموت ، كان بييربوينت هو سيد هذه الحرفة فقد كان هادئ طوال الإجراءات ، وخلال مقابلة واحدة من الستينيات التي يصف خلالها سيرته العملية ، اتضحت طريقة الهدوء المنفصلة والشاملة التي تمكن من خلالها من القيام بعمله .أما عن الاستعدادات المناسبة للإعدام فيقول عنها بييربوينت : عادة ما تكون غرفة الإعدام بجوار باب الزنزانة المدانة ، فهي غرفة صغيرة مع فخ في وسط الطابق ، في البداية تمتلئ الحقيبة بالرمال ونقوم بتدوير القطرة لنرى أن كل شيء في محله ، ويخرج السجين من زنزانته عندما نفعل ذلك ، حتى لا يسمع صوت ما نفعله حيث نترك الحقيبة معلقة لتمديد الحبل بين عشية وضحاها ، ونذهب إلى غرفتنا للانتظار حتى صباح اليوم التالي .وعندما يحين وقت التنفيذ نقوم بإجراء فحص نهائي للمعدات ، ثم ننتظر خارج الزنزانة المدانة للإشارة إلى أنه من الآمن الدخول الآن ، وحينما يأتي السجين أربط ذراعيه خلف ظهره بحزام جلدي ، ويقوم مساعدي يربط ساقيه ثم أضع غطاء أبيض فوق رأسه ، وأضع الحبل حول رقبته والعقدة هي سر ذلك ، ويجب أن نضعه على الفك الأيسر السفلي ، لذلك يحدث لدينا خنق وحينما أرى أن كل شيء جاهز ، أسحب العتلة ويسقط السجين من خلالها وينتهي الأمر كله في لحظة واحدة .ولم يقتصر الأمر على كون الجلاد الجيد دقيقًا ، بل يتعلق أيضًا بعدم ترك مشاعرك تسير في الطريق وتظل محايدًا ، وعن هذا قال بييربوينت أيضًا : “يجب ألا تتورط في أي جريمة ارتكبتها” ، فعلى الشخص أن يموت ويجب أن تعامله بأكبر قدر ممكن من الاحترام والكرامة ، إنهم يسيرون إلى المجهول وأي شخص يمشي إلى المجهول ، سأرفع قبعتي له .وفي مقابلة إذاعية مع هيئة الإذاعة البريطانية ، قال إنه يعتقد أن الجريمة في بريطانيا قد ازدادت منذ أن حظرت عمليات الإعدام ، وأن بلاده قد تحتاج إلى إعادة عقوبة الإعدام من أجل حل المشكلة ، و بالطبع بريطانيا لم تعيدها أبدًا ، وقد توفي الجلاد ألبرت بييربوينت نفسه في 10 يوليو 1992 م عن عمر يناهز 87 عامًا في ساوثبورت ، المدينة الساحلية بالقرب من ليفربول حيث تقاعد مع زوجته بعد استقال من منصبه كرجل قتل مئات الأشخاص .