قد يظن البعض ، ممن يتذكرون التفاصيل بدقة ، أنهم يمتلكون مهارات وقدرات خاصة ، عندما تساعدهم الدلائل على التذكر ، ولكن هل يمكنك تصور أن البعض ، يتذكرون كيف كانت حياتهم ، منذ أن وُلدوا وما الأشياء التي كانوا يرتدونها ، وهم أطفالاً لا تتعدى أعمارهم ساعات قليلة !الأمر ليس مزحة ، فريبيكا البالغة من العمر سبعة وعشرين عامًا ، ما زالت تتذكر لون تلك البطانية ، التي كانت تلفها وهي حديثة الولادة ، بلونها الوردي الزاهي ، مازالت ريبيكا تتذكر ، كيف أنها أرادت النهوض ، لتستكشف ما حولها ، وهي بعمر العام والنصف فقط !كل ما تتذكره ريبيكا ليست مجرد ذاكرة نشطة ، أو أحاديث من نسج الخيال ، فقد كانت ريبيكا نفسها تظن أن تذكرها لكل شيء تفصيلاً ، هو أمر طبيعي أو يتمتع به أغلب الناس ، ولم تدري أنها مصابة بمتلازمة فرط التذكر ، سوى عندما أخبر والديها بأن هناك من هم مثلها ، وطلبا منها أن تشاهد برنامجًا تليفزيونيًا ، يتحدث عن قصص أناس مثلها .قصة جيل برايس :
ليست ريبيكا هي الوحيدة ، فقد تم التعرف على متلازمة فرط التذكر ، في عام 2000م ، عندما تم تشخيص أولى الحالات ، وكانت لسيدة تدعى جيل برايس ، والتي تحدثت بشأن قصتها مع تلك المتلازمة ، حيث أخبرت الطبيب أنها تتذكر كافة التفاصيل السعيدة والمؤلمة ، وكأن عقلها مجرد شاشة زجاجية ، على أحد جانبيها يقع الحاضر ، وعلى الجانب الآخر تشاهد كافة لحظات حياتها ، منذ أن كانت وليدة .وتذكرت برايس البالغة من العمر 34 عامًا ، تفاصيلاً منذ عام 1980م ، حينما تم إرسالها إلى مركز الطبيب جيمس ماكجو ، المتخصص في البيولوجيا العصبية للتعلم والذاكرة ، بجامعة كاليفورنيا ، وأخبرته برايس أنها تعاني من إشكالية بالذاكرة ، وظن وقتها الطبيب أنها تعاني من حالة عرضية من التذكر الشديد للأحداث ، وكان في طريقه لنصيحتها ، بأن تذهب لإحدى العيادات المتخصصة ، إلا أنها فاجأته بالكثير من التفاصيل الدقيقة ، منذ أن كانت وليدة لا يتعد عمرها بضع أيام ، مما تسبب في ذهوله وهو يستمع إليها ، وبدأ الاهتمام بأمرها .طلب منها الطبيب الحضور إليه ثانية ، وكان برفقته كتابًا عن أحداث القرن المنصرم ، وطلب منها أن تقرأ هذا الكتاب ، وبعد أن فرغت منه ، بدأ الطبيب في سؤال برايس بشأن بعض الأحداث ، التي تم سردها في الكتاب ، من أجل اختبار ذاكرتها ، لتجيبه بكل بساطة عنها .قصص معاناة أصحاب فرط التذكر :
عقب هذا اللقاء أعلن الطبيب جيمس ، عن اكتشافه لحالة طبية أسماها متلازمة فرط التذكر ، وتم نشر هذا الإعلان بالصحف المحلية الكبرى ، لتبدأ رسائل القراء الإلكترونية ، تنهال عليه ويروي مرسلوها ، تجاربهم مع متلازمة فرط التذكر ، وكان منهم عشرين شخصًا في أميركا ، وستين شخصًا من مختلف أنحاء العالم .إحدى الحالات كانت لطبيب بريطاني ، يدعى كارديف أورلين ، كان يعاني من تلك المتلازمة النادرة ، ويظن أنه هو الوحيد بالعالم الذي يتمتع بتلك القدرات ، وشرح أنه بسؤاله عن تفاصيل أي يوم ، تقفز أحداث هذا اليوم تفصيلاً إلى الذاكرة ، وكأنه يسير بين المشاهد ويراها مرة أخرى ، وكأن من يسأله يطرح سؤالاً عن اسمه .أما نيما فيسيه فقد روى ، أن الأمر لديه وكأنه صورًا فوتوغرافية أو شريط سينمائي يمر أمام عينيه ، ينظر له ويروي الأحداث ، أولاً بأول دون تضييع أي تفصيلة ، أو الحاجة لمؤثر خارجي يساعده على التذكر ، فهو لا ينسى بالأساس ، ويشعر أن هذا الأمر يقوده إلى الجنون .وبعد ثمانية عشر عامًا على هذا الكشف ، وظهور مئات الأشخاص ممن يعانون منها ، إلا أن البحث عن علاج لتلك الحالة مازال جاريًا ، وما يجعل الأمر عسيرًا عليهم ، هو أنهم يتذكرون الألم والتفاصيل السيئة بكل تفاصيلها ، فهم قد يستعيدوا شعورًا سيئًا ، عندما كانوا في الثانية من عمرهم مثلاً .