يجب أن نهيء العقل ، من أجل تلقي كافة الفرص المتاحة أمامه ، للاستكشاف والتوصل لكل ماهو مفيد ، وقد يظن البعض أن كافة الاختراعات التي تمت منذ القدم ، كانت نتاج تجارب معملية كبيرة ، ومتعددة حول أمر محدد .ولكن الحقيقة هي أن بعض ما توصل إليه العلماء ، من اختراعات كان قد أتى بالمصادفة ، ولكنهم كانوا على القدر الكافي من التهيؤ الذي مكّنهم من الاستفادة بكل ما هو مفاجئ ، وتلك هي قصص بعض الاختراعات التي أتت بالمصادفة ، لتغير وجه العالم كله.قصة اختراع البنسلين :
يجب أن يتم استغلال الفرص المتاحة ، بعقل باحث مستنير يعرف كيف يتعامل ويستفيد ، من كل ما هو متاح أمامه ، وهذا ما حدث مع ألكسندر فليمنج عندما البنسلين .اهتم ألكسندر فليمنج طيلة مسيرته ، بدراسة نظام المناعة لدى الإنسان ، وفحص آلياته عن كثب ، فقام بعمل عدد من الاختبارات المعملية ، بداية من عزل الخميرة المذابة المعروفة باسم الليزوزيم ، والتي مثّلت مضادًا حيويًا قوي المفعول ، تهاجم البكتريا المزروعة ، ولكنها للأسف في هذا الوقت ، لم تثبت فاعلية تذكر ، على الجسد البشري .وكان فيلمنج قد قرر بعد إرهاق عددًا من التجارب ، وعدم التوصل إلى نتائج في هذا الشأن ، أن يقضي شهرًا برفقة عائلته ، ليستطيع بعدها أن يعود إلى نشاطه مرة أخرى ، وبالفعل انعزل فليمنج لمدة شهر خلال عام 1928م ، ليعود بعدها إلى معمله ويكتشف المفاجأة .عقب عودته لاحظ فليمنج ، وجود عفن أخضر اللون ، كان قد غطى الكثير من المستعمرات الميكروبية ، التي يحتفظ بها والتي عرفت باسم المكورات العنقودية الذهبية ،هذا العفن الذي سُمي بالبنسيليوم نوتاتيوم ، ليبدأ فليمنج في فحص المستعمرات ، التي لم تصمد كثيرًا أمام هذا العفن ، وبدأت في الانهيار وخربت جميعها.سجل فليمنج ملاحظاته التي استنتج من خلالها ، أن هذا العفن هو ما تسبب في قتل البكتيريا وكل مستعمراتها ، ليقوم بإجراء عدد من التجارب الأخرى ، ويتأكد من صحة ما توصل إليه ، حيث استنتج من كافة تجاربه ، أن العفن يقوم بإنتاج مادة فعالة تستطيع أن تقضي ، على البكتيريا الضارة ، بما فيها البكتيريا العنقودية .أطلق فليمنج فيما بعد اسم البنسلين ، على العفن الأخضر الذي اكتشفه بالمصادفة داخل معمله ، وذكر أن اختراع البنسلين يعود نسبه إليه ، ولكن في الحقيقة الطبيعة هي من أهدته إياه ، وهو فقط من كشف عنها النقاب .بدأ العالم في تصنيع البنسلين واستخدامه ، في صورة مضادًا حيويًا في عام 1943م ، حيث ساهمت الحرب العالمية الثانية في انتشاره ، وانتقل الطب في هذا الوقت ، نحو طفرة جديدة في عالم تصنيع المضادات الحيوية ، ليحصل العالم بحلول عام 1996م ، على أكثر من 160 نوعًا من المضادات الحيوية التي تم إنتاجها بالفعل .قصة ابتكار الأسبرين :
تطور البشر عبر السنوات ، وتميزوا في خلق اختراعات وابتكارات كثيرة ، خاصة في المجال الطبي ، والذي برع فيه الإنسان منذ القدم ، فاستخدم أشياء من لطبيعة ، قد لا يخطر على أذهاننا اليوم أن نستخدمها في العلاج وخلافه ، مثل استخدام لحاء الأشجار على سبيل المثال ، في تخفيف الآلام.بداية من القرن التاسع عشر ، كشف العلماء عن أهمية طبقة اللحاء في النباتات ، في عملية تخفيف الألم ، وذلك عندما اكتشفوا بأن هذه الطبقة ، تحتوي على حمض الساليسيليك ، الذي يعمل على تخفيف الحمى ، وخفض آلام المعدة وعلاج الفم أيضًا.في عام 1853م وأثناء جلوسه داخل معمله ، قام العالم الفرنسي ، تشارلز جيرهارد بخلط بعض المكونات الكيميائية ، مع حامض الساليسيليك ، ولكنه وجد أن الأمر ، يستغرق وقتًا طويلاً ، في الحصول على نتائج ملموسة ، فتراجع عن الفكرة كاملة.وبحلول عام 1874م ، قام العالم هيرمان كولبي ، بخلط حمض الساليسيليك الصناعي ، ببعض المواد الأخرى ، ومنحه للمرضى ، وعلى الرغم من فاعلية هذا الخليط ، إلا أنه وجد المرضى يدخولن في حالات شديدة من القيء والغثيان ، وكان بعضهم يفقد وعيه كامنلاً ، فعلم أن الأمر قد يحتاج إلى تخفيف حدة الحمض ، على المعدة.بدأ كولبي يعمل على الأمر ، لعدة أعوام حتى توصل إلى ما عُرف فيما بعد باسم الإسبرين ، الذي انتشر كثيرًا مع نهاية القرن التاسع عشر ، والذي اخترعه وقدمه للعالم الكيميائي الألماني فيليكس هوفمان ، أثناء بحثه عن طرق جديدة لتخفيف حدة آلام المفاصل ، من أجل إنقاذ والده.بدأ هوفمان بدراسة المحاولات منذ بدايتها ، ليتوصل إلى إنتاجه من خلال صناعة حمض أسيتيل الساليسيليك ، ومع بداية عام 1899م بدأت شركة باير ، في تقديم هذا العنصر للأطباء ، من أجل منحه لمرضاهم بحذر ، وتم تصنيع الأسبرين في شكله المعروف حاليًا ، على هيئة أقراص وذلك في عام 1995م.