ما هو المستحيل وهل فعلًا المستحيل ، مستحيلُ ، تلك هي الأسئلة التي ترددها الفراشة الزرقاء كل صباحٍ بصوت متقطع ، بينما هي تمد جناحيها الجملين لتغتسل بخيوط الشمس التي تزين البستان لتشرف على حقول الفراش الذي يعيش هنا ، وكانت الفراشة الزرقاء مختلفة بلونها عن باقي الفراش في البستان .فكانت أجنحة معظمهم رماديًا وما تبقى بأجنحة بيضاء ، وحسب ما تقول الرواية فإن لعنة حلت على البستان ، حولت ألوان الفراش إلى رمادي أو أبيض ما عدا الفراشة الزرقاء التي كانت تلهو داخل زهرة البنفسج وغطتها حين حلت اللعنة ، وقد أحبت الفراشة الزرقاء الحياة وفقد كانت تقوم في الصباح الباكر وتنطلق في رحلة يومية لاكتشاف سماء البستان وتطير في الفضاء الرحب لكي تبحث عن مغامرة جديدة .وتحاول إيجاد أسئلة عن كل الأسئلة التي تسألها لنفسها حول العالم ، وحول هدفها ونفسها وحول اللعنة التي حلت على البستان ، فكانت تطير فوق الهضاب الخضراء ، والسنابل الخضراء وتلهو بين أزهار الوادي حتى تصل إلى حدود البستان المحاط بجدار كبير مرتفع التي لا تستطيع عبوره .فقد قالوا لها في البستان إن عبور الجدار هو أمرُ مستحيل ولو استطاع أحدُ العبور سوف يجد كل ألوان الفراس بالطرف الأخر وراء الجدار ، ولكن هيهات فلا يمكن عبور الجدار لأنه من سابع المستحيلات أن تستطيع أي فراشة الارتفاع حتى أخر الجدار الذي يلامس خيوط الشمس ويقبل قبة السماء البعيدة ، وهل هذا هو المستحيل .ثم تسألت الفراشة الزرقاء أيمكنني عبور المستحيل وكلما كانت تقف إلى الجدار تقف أمامهم وتشعر بتحدي غريب يراودها ويحثها على العبور ، فتطير وترتفع حتى تصل لفتحة صغيرة جدًا في الجدار لتتوقف هناك وتنظر من خلالها إلى ما خلف الجدار .فترى بيارة ساحرة يفوح عطر أزهارها على امتداد شاطئ ذهبي بين أشجار البرتقال وترى الألوان الخلابة تتدلى من الأشجار وتزين الهضاب ، تلك هي ألوان الفراش منها تلحظ الأصفر والأحمر والبني والأزرق وتلك الفراشات المصبوغة بألوان الطيف التي تشكل أجمل سجادة أمام ناظريها .كم هو جميل هذا المنظر الذي يريح القلوب ، وقالت الفراشة الزرقاء لنفسها لماذا لا يمكن الوصول إلى هناك ولماذا يستحيل عبور الجدار ونظرت إلى الأعلى لترى ارتفاع هذا الجدار ، الذي يمنع جناحيها من التحليق في سماء الانطلاق ، ولكنها لم تستطيع رؤية نهايته .وكانت الفراشة الزرقاء تقف كل مرة عند تلك الفتحة في الجدار وعند حلول المساء تعود إلى البستان لكي تخبر أصدقائها عنما رأت ، ولكن كل من سمعها كان يكرر الحكاية حول اللعنة وحول المستحيل وينسج القصص حول الأهوال وراء الجدار وهكذا تظل الفراشة الزرقاء وحدها بدائرة أحلامها ، وكانت الفراشة الزرقاء تحلم كل ليلة بالرحلة الصباحية نحو الجدار المستحيل حتى أصبح حلمها هذا تحدي يومي .وصار الحلم يكبر حتى قررت اختبار هذا الجدار الكبير حتى لو اضطرت لعبور بوابة الشمس لأن في البستان يقولون إن المعبر الوحيد إلى ما وراء الجدار هو بوابة الشمس ، ولكن لا يمكن عبورها لأنه تتفجر هناك النيران والحمم التي تلتهم الأخضر واليابس .فانطلت الفراشة ذات يوم صوب الشمس فعبور المستحيل ممكن لو آمنت بأنه ممكنُ ، وانطلت نحو الفترة وأخذت معها معول صغير لكي تنحت الفتحة وتخرج وانطلت وبيدها المعول حتى أعياها التعب ولم تجد تلك الفتحة حتى وصلت لحافة بارزة بالجدار فاستراحت هناك ، وبدأت تذكر أن الفتحة لم تكن بذلك الارتفاع ارتفعت أكثر ولم تجدها ولم تعد قادرة على حمل المعول وشعرت بالدوار وفكرت بالعودة إلى البستان دون أن تحدث أحدًا عما جرى .ولكن بعدما استراحت قررت الرجوع ثانية ، ولكن عبث دون جدوى لأن الجدار أملس ، ثم عادت إلى البستان وقد أيقنت أن الطريق الوحيد هو الوصول إلى الأعلى وعبور بوابة الشمس وإن كان الأمر محفوف بالمخاطر ، فعقدت العزم ذات يومٍ وانطلقت نحو الجدار وطارت وارتفعت وارتفعت وفي قلبها إصرار وإيمان كبير ، ووجدت الفراشة مكان لتستريح قليلًا .وظلت هناك ونامت ثم استيقظت فزعة حين اقتربت منها سحلية كبيرة ، فطارت بسرعة إلى الأعلى فلا يمكنها الرجوع إلى الأسفل ولا التوقف فإما أن تموت على سطح الجدار أو أن تواجه المستحيل وقد صار التحدي أكبر ، فاقتربت أكثر وأكثر من الجدار حتى صارت تشعر بحرارة الشمس الحارقة ، وحين وصلت فتحت جناحيها أمام النور واخترقت بوابة الشمس متجه نحو البيارة الساحرة بكل عزم لكي تعبر المستحيل وتعود مع كل الألوان إلى الفراش .معزى القصة : لا شيء مستحيل .