أنا شجرة زيزفون عجوز ، كنت أعيش في سلام على أرض في شروبشاير ، حيث ترعى الخراف الكبيرة التي يصنعون من صوفها ، ثياب شتوية جميلة ، تدفئ الصغار ، وتبهج الكبار ، أنا مثل كل أشجار الزيزفون ، أغصاني وفيرة وأوراقي غزيرة تحمي الكثير والكثير من أعشاش الطيور البديعة ، وظلي الممدود أنشره واسعاً ليحتضن الرعاة والخراف ، التي تلتف حول جذعي محتمية من وهج الشمس.البناء والشجرة :
عشت عشرات السنين في وداعة ، حتى فوجئت بكثير من النجارين والبناءين يهجمون عليّ ، يصعدون ويهبطون ويدقون المسامير في لحمي ، أقصد خشبي ، ولم تمض بضعة أيام ، حتى وجدتني مثقلة ببيت كامل ، استقر على الانحناءة الكبيرة لجذعي !!فندق الملكة :
وبينما كنت أئن من ثقل هذا البيت ، وجدت بشراً مزركشين ، تبدو عليهم الأهمية ، يدورون حولي متطلعين إلى الأعلى ، ويطلقون عبارات الاستحسان على ما أسموه ، فندق الملكة الصيفي الصغير ، أي ملكة ؟!..كنت أسأل ولا أحد يجيبني ، حتى وجدتها أمامي ، فكتوريا .فكتوريا :
فكتوريا التي تحمل لقب ملكة انجلترا وأيرلندا ، وإمبراطورة الهند ، ملكة شهيرة ، سموا عصراً كامل باسمها ، لأن بلادها اغتنت وازدهرت كثيراً في عهدها ، لكن رأيي فيها كشجرة ، يجعلها عندي أقل من ملكة نمل ، أو ملكة نحل .العصر الفيكتوري :
ففي عهد هذه الفكتوريا ، ذاقت شعوب المستعمرات أقصى أنواع القهر ، وعانت ويلات الحروب التي فرضها عليها المستعمرون ، أنا شجرة لا أستطيع الحركة ، وإلا كنت أطحت بها هذه الفكتوريا ، وبيتها أرضاً .اعتراض الشجرة :
لكني أعلنت احتجاجي على احتلالها لأغصاني ، فمنعت أوراقي من الظهور والتجدد في الربيع ، لقد بنوا لها هذا البيت المبطن بزخارف الجص الأبيض ، المكسوة بخشب البلوط ، ليصير مكمناً فاخراً ، تستمتع من نافذته بمراقبة الثعالب التي تحبها كثيراً ، ولعل أغصاني العالية قد أفسدت بعض متعتها .الثعالب والحذر :
فالثعالب كانت تفطن إلى ذلك البيت المكشوف ، ويهديها مكرها إلى احتمال وجود بشر في داخله ، فتحجم عن الاقتراب ، مادام هناك بشر ، فالثعالب في خطر! لابد أن الثعالب فكرت هكذا ، وحاذرت أن تقترب من الشجرة التي هي أنا ، وفوقها ذلك البيت ، وبداخله تلك الملكة ، فهل أفسدت أنا خطة فيكتوريا لمراقبة كثير من الثعالب؟!الشجرة المخلصة الثائرة :
أتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك ، ثأراً للبؤساء الذين كوتهم نيران حرب الأفيون في الصين ، وحرب البوير في جنوب إفريقيا ، وهي حروب ظالمة ، افتعلت في عهد الملكة فيكتوريا ، لصالح الاستعمار البريطاني ، وهل كنت أستطيع أنا شجرة الزيزفون العارية في مزارع شروبشاير ، أن أفعل أكثر من ذلك ؟