اضطرب قطيع ثيران المسك ، وأخذ أفراده تتعثر ، وكل منها يتململ ويكف عن التقدم للأمام ، ويبدو أنه سيدور حول نفسه ، سرت في القطيع موجة خوار خافت ، وأخذت الرؤوس ترتفع مشتمة الهواء البارد ، الذي بدأ في الحركة عبر سهول جرين لاند الجليدية .الثيران والجليد :
كانت أنوف الثيران تتشمم تباشير رائحة العاصفة القطبية ، التي ستهب على السهل بعد دقائق ،انها تجربة عثيرة ، توارثت سرها الثيران التي تستطيع الصمود في درجات حرارة شديدة الانخفاض ، لكنها ترتعب من تهديد العواصف الجليدية ، التي تكون برودتها أشد مما تستطيع احتماله الثيران ، فراءها البني السميك الذي يصل عمقه ، إلى 25 سنتيمتراً ، يجعلها تقاوم البرودة ، التي تصل إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر .العاصفة والثيران :
لكن العاصفة القطبية ، تهدد غزارة هذا الفراء ، عندما تحرك هذا البرد الساكن ، وتحوله إلى سهام ثلجية ، تخترق جلودها وترشق عيونها ، وأنوفها فتوشك على التجمد ، ولا يكون أمام ثيران المسك ، إلا الدفاع بالطريقة نفسها ، التي تواجه بها قطعان الذئاب القطبية ، عندما تغير عليها هذه الذئاب ، في مجتمعات مسعورة .ترتيب وحماية :
قادت الثيران الكبيرة القطيع ، نحو تل مرتفع من الأرض ، ثم أخذت ترتب بدفعات من رؤوسها ، أفراد القطيع لتكوين حلقة محكمة ، تامة الاستدارة ، كانت العجول الصغيرة خفيفة الفراء ، والتي يمكن أن تفتك بها سهام العاصفة الجليدية في مركز الدائرة ، وتحيط بها أجسام الثيران الكبيرة التي تتجه رؤوسها إلى الخارج ، لطالما أتاح هذا لقرون السهام القوية ، أن تسدد ضرباتها القاتلة إلى الذئاب الغيرة ، لكن !! .. ماذا تفعل هذه القرون مع سهام الريح الثلجية ؟؟المتراس الحي :
تلقت الثيران الكبيرة هجمات العاصفة الجليدية برؤوسها ، فتشققت أختامها التي يبست ، وأعتم الصقيع بعد قرنيات العيون ، تساقط أكثر من ثور عجوز هدّت قواه العاصفة ، وجمدت الدماء في عروقه ، وكان أفراد القطيع الأصغر سناً ، يبادرون بالتقدم إلى الأمام ، ليعيدوا ترميم الدائرة المحكمة ، كمتراس حربي ، أما العجول الصغيرة ، فقد ظلت في مركز الدائرة محمية ، بدفء أجساد الأمهات والآباء ، والإخوة الأكبر منها الثيران الشابة .مضي العاصفة والسكون :
مضت العاصفة ، وسكنت البرودة ، وأخذت الدائرة تتفكك ، انطلقت العجول الصغيرة التي كانت محصورة في المركز ، تجري فرحة بالحركة ، بعد السكون .التضحية :
لكنها لم تبتعد عن القطيع ، الذي بقيّ كباره واجمين ، كانوا ينظرون بحزن إلى أجساد الثيران المسنّة ، التي واجهت العاصفة في مواجهة المتراس الحي بثبات ، ودفعت حياتها وهي تفتدي أبناءها والأحفاد .