في لحظة استغراق ثائر بلعبة كرة القدم ، وتمرير الكرة له من زميله للتسديد على مرمى الخصم ، بدأ المطر ينهمر ، سدد ثائر بقوة لكنه انزلق ، وارتطمت الكرة بالعارضة مرتدة إليه مرة أخرى ، فقفز بكل قوة وبضربة من رأسه ، أدخلها داخل المرمى ، علا التصفيق وتمرغ ثائر بالطين من رأسه إلى أخمص قدميه ، وارتسمت الابتسامة على وجوه اللاعبين ، الذين تفرقوا منسحبين ، لهطول المطر بغزارة .رعد مفاجئ وخوف غير مبرر :
بقي ثائر وحيدا ينظر لكرته من داخل الشباك ، فجأة دوى صوت الرعد ، فانتفض هارباً والهلع على مُحيّاه ، توقف ثائر متذكراً كرته ، وأخذ يخطو إلى الأمام وإلى الخلف متردداً ، أيرجع لأخذ كرته أم يتركها ويمضي ، لكنه باغت نفسه بسؤال مسموع ، قائلًا : إذا كان صوت الرعد ناجماً عن اصطدام غيمتين ببعضهما البعض ، فلماذا أنا خائف إذا ؟!!لا خوف من الرعد :
وأردف ثائر يجيب على نفسه : صوت الرعد لن يخيفني طالما عرفت السبب ، وبخطوات متباطئة اتجه ثائر إلى كرته ، التي طفت على بقعة ماء داخل المرمى ، حملها وأخذ يزيل الطين عنها بماء المطر المنهمر بشدة ، وضعها أرضاً وراح يغتسل بقطرات المطر المتجمعة بكفتيه الصغيرتين ، متأملاً إياها بشرود فالجو كان لطيفاً ، ومنحه الوقت الكافي ليفكر ملياً ، خطرت لثائر أفكار وصور شتى ، فتخيل رحلة قطرات الماء التي يحضنها بيديه .ثائر يتأمل قطرات المطر :
همس منتشياً ، قائلاً : هذه القطرة أتت من المحيط الأطلسي ، وهذه من المحيط الهندي ، وهذه من البحر الأبيض المتوسط ، وتلك من الخليج العربي ، إنني أشم رائحة الحوت الأزرق والأبيض أيضاً ، فلابد أن هذه الحيتان قد لامست تلك القطرات أثناء مرورها ، يا إلهي كم هذا جميل !! .. هذه القطرات تجتمع من كل محيطات وبحار الدنيا ، لتشكل حفنة ماء بين يدي .قطرات المطر المسافرة عبر العالم :
التفت ثائر إلى كرته السابحة في جدول تشكل من ماء المطر ، مشى يلحق بها وهو يردد فرحاً ويقول : هذه القطرات تآلفت وتناغمت بكل محبة ، لتصنع شيئاً رائعاً وتعطي من دون مقابل ، من غير أن تتفاخر قائلة : أنا من الغرب والشرق أو الجنوب والشمال .المنزل وقلق الوالدين :
أزداد صوت الرعد ، وأحدث البرق صدعاً جميل الألوان في الفضاء ، لكن الخوف تسلل إلى ثائر مرة أخرى ، فعاد مهرولاً إلى بيته مبللاً الثياب ، كان والداه قلقين لتأخره في مثل هذا الجو الماطر ، فأنّبت الأم ابنها بحنان وحرص ، أما الأب فكان يراقب وجه ولده ، الذي بدت عليه ملامح شرود غريبة !!تآلف حبات المطر :
بعد أن استحم ثائر وغير ملابسه ، دعاه الأب للتحدث معاً ، سرد ثائر لأبيه ما حصل معه ، وكانت سعادة الأب لا توصف ، لهذه التجربة التي عاشها ولده ، والأسئلة الكثيرة التي نتجت عنها ، فتابع الأب قائلاً : كم نحن بحاجة إلى المحبة والتآلف ، كما تآلفت حبات المطر ، لنعيش بطمأنينة في هذا العالم .