يُحكى أنه فيما مضى في مقاطعة جالوي ، وفي دونمور تحديدًا ، عازف مزمار نصف أبله ، فرغم ولعة بالعزف ، لم يتقن سوى لحن أغنية واحدة هي المحتال الأسود ، ومع هذا كان يتقاضى أجرًا مجزيً من المستمعين ، لأنه يسليهم كثيرًا .عازف المزمار والعفريت :
وفي احدى الليالي في أثناء عودته إلى البيت نصف مخمور ، من حفلة كان يعزف فيها ، صعد أحد الجسور الصغيرة ، القريبة من بيت أمه ، وأخرج مزماره وأخذ يعزف تلك الأغنية ، وفجأة برز من خلفه عفريت أمسكه ورماه على ظهره ومشي به ، تمسك عازف المزمار بقرني العفريت الطويلين وقال : اللعنة عليك أيها الوحش القذر ، دعني أرجع إلى منزلي معي عشرة قروش في جيبي ، وأريد شراء سعوط لأمي !مقطوعة موسيقية والجنية النائحة :
رد العفريت : لا تشغل بالك بأمك ، تمسك جيدًا بقرني ، لأنك إذا وقعت ستكسر عنقك ومزمارك ، هيا اعزف لي أغنية شان فان فوتش ، رد عازف المزمار : لا أعرفها ، فأجاب العفريت : لا يهم ان كنت تعرفها أم لا ، هيا اعزف وأنا سأجعلك تعرفها ، نفخ العازف قربه بمزماره ، وعزف ألحانًا ساحرة ، أدهشته هو نفسه ، فاستدار نحو العفريت ، وقال : أقسم أنك عازف محترف في الموسيقى ، لكنك لا تخبرني إلى أين تأخذنني ؟ ، أجاب : هناك وليمة عامرة ، ستقام الليلة في بيت الجنية النائحة عند قمة كروف باتريك ، سآخذك معي لتعزف فيها وصدقني ستنال ما تستحقه من أجر .الغرفة الأنيقة والضيف المجهول :
قال العازف : أقسم بأنك وفرت عليّ عناء الرحلة ، فقد فرض عليّ الأب ويليام الذهاب الى كروف باتريك ، عقابًا لي على سرقة ذكر الإوز الأبيض منه ، في قداس مارتن الماضي ، وهكذا ركض العفريت به عبر الهضاب والمستنقعات ، والأماكن الموحشة ، حتى وصل إلى قمة كروف باتريك ، وهناك خبط بقدمه ثلاث خبطات فانفتح الباب أمامهما ، ودخلا إلى غرفة أنيقة ، تجلس فيها مئات النسوة العجائز حول طاولة من ذهب تتوسطها ، حين رأين العفريت ، وقفن ، وقلن ، مسلمات عليه : مرحبًا بك مئات آلاف المرات ، يا عفريت نوفمبر ، لكن من هذا الذي أحضرته معك ؟.ذكر الإوز :
أجاب العفريت : انه أفضل عازف مزمار في أيرلندا كلها ، قامت إحدى العجائز بضرب الأرض بقدمها ، فانفتح باب عن جانبها في الجدار ، برز منه على الفور ذكر الإوز الأبيض ، الذي سرقه عازف المزمار من الأب ويليام ! فقال عازف المزمار : أقسم أنني التهمت ذكر الإوز هذا مع أمي ، ولم نبق منه عظمة واحدة ، باستثناء جناح ، أعطيته أنا لماري الحمراء ، وهي التي وشت بي للأب ويليام ، أسرع ذكر الإوز بتنظيف الطاولة من بقايا الوليمة ، ثم قال العفريت للعازف : اعزف بعض الموسيقى لأجل السيدات .نقود ذهبية ومزامير جديدة :
ففعل عازف المزمار كما طلب به ، وأخذت العجائز يرقصن دون توقف حتى تعبن ، ثم طلب العفريت منهن أن يدفعن أجرة العازف ، فقامت كل واحدة منهن بنقده قطعة من الذهب ، صرخ العازف بفرح : أقسم بأنني أصبحت الآن غنيًا ، كابن سيد من الأسياد !.. فقال العفريت له : هيا بنا لكي آخذك إلى بيتك الآن ، وحين خرجا وهم العازف بركوب ظهر العفريت ، ظهر ذكر الإوز آتيًا نحوه ، وسلمه طاقمًا جديدًا من المزامير .ثم قام العفريت بإيصاله بسرعة إلى دونمور ، وعند الجسر الصغير بالقرب من بيت أمه ، ودعه قائلاً : ها أنت تملك شيئين ، لم تكن تملكهما قط من قبل : الإحساس والموسيقى .العودة إلى البيت :
وهكذا انصرف العازف إلى بيته ، ودق على الباب ، مناديًا أمه : افتحي يا أمي ، لقد أصبحت غنيًا كابن سيد محترم ، بالإضافة إلى أنني أصبحت أفضل عازف في أيرلندا .. فأجابته أمه : هل أنت سكران ؟!!فرد عليها : لا البتة ، لم أشرب نقطة واحدة ، فسمحت له بالدخول ، ثم أعطاها قطع الذهب التي جناها ، قائلاً : انتظري حتى أسمعك الموسيقى المدهشة التي أعزفها ، وأخذ ينفخ في المزمار ، لكن بدلاً من الموسيقى خرج صرير مزعج ، كأنه قادم من عشرات الإوزات وذكور الإوز المتصايحين !!المفاجأة وأفضل عازف مزمار :
أيقظ الصوت الجيران ، ودفعهم للسخرية منه ، هكذا حتى ألقى بالمزمار الجديد ، وأمسك بمزماره القديم ، عازفًا لهم ألحانًا عذبة أسكتهم وأرغمتهم بعدها على الإصغاء لما قصه عليهم من أحداث تلك الليلة ، لكن في الصباح ، عندما قامت الأم لتفقد قطع الذهب ، لم تجدها !!ورأت عوضًا عنها أوراق نباتات لا غير ، فقصد العازف بيت القس لم يصدقه ، حتى حمل مزماره وأخذ يعزف ، فخرج منه صياح الإوز بدلاً من الموسيقى ، فصاح القس غاضبًا : اغرب عن وجهي أيها اللص ، لكن العازف لم يستسلم ووضع المزمار الجديد جانبًا ، وراح يعزف بمزماره القديم ، وصار يعزف ألحانًا في منتهى الرقة والروعة ، ومنذ ذلك الحين وحتى موته لم تعرف مقاطعة جالوي ، عازف مزمار أفضل منه .