عندما جاء العمال لكي يقومون بالقطع التجريبي للأشجار في الشارع العام سمعت ريما ضجيجًا وأصواتًا كثيرة فأسرعت تطل من نافذة الغرفة فوجدتها وقد أتو بسلم حديدي طويل وبمنشار كهربائي برتقالي اللون وأخذوا يشرون إلى الشجرة الباسقة التي تمد فروعها نحو نافذة ريما وأحدهم يقول لنبدأ بهذه الشجرة الكبيرة أولًا .وعند ذلك دخلت أخت ريما الصغيرة إلى الغرفة وركضت نحو النافذة وهي تصيح ريما ريما إنهم يقطعون الشجرة التي تحبينها أوقفيهم يا ريما لماذا لا تقولين لهم شيئًا ألم ترين ما يفعلون ، ضحكت ريما وهي تنظر إلى أختها وقالت : وهل تعتقدين أنهم سيقطعون الشجرة كلها لا إنهم فقط يجرون القطع التجريبي للأشجار فيقطعون الأغصان الكبيرة الممتدة والمتشابكة ، فلماذا يقطعونها إن منظرها جميل ولكنها تحجب الضوء عن باقي أجزاء الشجرة ، فهم عندما يقطعونها يعطون الشجرة شكلًا أجمل ويعدون إليها حيويتها .ولما كانت ريما منشغلة بحديثها مع أختها الصغيرة لم تنتبه لما كان يجري في الخارج كانت مجموعة العصافير التي تسكن الشجرة تتعالى أصواتها وهي تتشاور فيما بينها عما يمكنها عمله ما داموا سيقطعون أشجار الشجرة وهم قد بنوا عليها أعشاشهم منذ شهور لابد لهم إذن أن يهاجروا ولكن أين وارتفعت أصواتهم أكثر وازدادت حدة وعصبية حتى إن العمال عدلوا عن رأيهم وقروا أن يبدؤوا أولًا في قطع أغصان الأشجار التي تقع في نهاية الشارع .وفي صباح اليوم التالي عندما فتحت ريما نافذة غرفتها سمعت أصوات العصافير وهي تزقزق بصوت عالي ولما نظرت إلى الشجرة الكبيرة وجدتها وقد قطع ما عليها من أغصان فتساءلت أين ذهبت تلك العصافير يا ترى لابد أنها في مكان قريب ولم تبحث ريما طويلًا ثم قالت أجل إنها هناك في حديقة الجيران على شجرة السرو الهرمة ذات الأوراق البنية ، وبينما هي تفكر فإذا بعصفور هرم ويفرد جناحيه حائمًا حول الشجرة الكبيرة .ثم ما لبث أن حط عليها وهو ينظر إلى باقي العصافير وهي تروح وتجيء حاملًا بأفواهها عيدانًا من العش وقف العصفور الهرم طويلًا وهو حزين كئيب وبينما هو كذلك حطت بقربه مجموعة من العصافير الفتيه فتقدم منه أحدها وقال كيف نبعد عن المنزل الذي أعتدنا أن نعيش فيه منذ طفولتنا ، صمت العصفور الهرم قليلًا ، ثم أجاب لابد أن نبني معًا العش من جديد وطار عاليًا ولحقت به بقية العصافير ، وظلت ريما في نافذتها تراقب جموع العصافير وهي تعمل منهمكة في بناء أعشاش جديدة لها وتراقب العصفور الهرم وهو يشجع الصغار منهم ويساعدهم ويمد الأمل في نفوسهم .وكان يعلم أن الشجرة سرعان ما تمتد فروعها من جديد وتكسوها الأوراق الخضر الذكية بغزارة وعند ذلك يمكن لهم أن يعودا لها مرة أخرى ، ولما أغلقت ريما زجاج النافذة وأغمضت عينيها رأت ربيع الشجرة الجميلة الكبيرة أخضرًا هذا العام تسكنوه العصافير وتملئه بهجة ..