عاشت ذات مرة امرأة وكان لها زوج جبان جدًا ، لدرجة أنه لم يجرؤ أن يبقى بمفرده ، وفي إحدى المناسبات دعيت المرأة إلى حفلة ، ولما كانت على وشك أن تذهب لتلبية الدعوة ترجاها زوجها أن تسرع في العودة ، لأنه مضطر أن يمكث في البيت حتى تعود .نصيحة الصديقات :
وعدته أن تفعل ، ولم تكد ترى صديقاتها لمدة نصف ساعة حتى نهضت ، واستأذنت في المغادرة ، سألتها مضيفتها : لماذا تغادرين بهذه السرعة ؟ فأجابت أن زوجها في البيت ينتظرها ، ولماذا ينتظر ؟ سألتها النسوة ، فردت : انه لا يجرؤ أن على الخروج من دوني ، هذا أمر غريب ، علقت النسوة ورجونها أن تبقى قليلاً ، نصحنها أن تنسل عن زوجها حين تخرج معه في المرة القادمة ، وتتركه وحيدًا في الظلام ، وبهذه الطريقة سيشفى .العمل بالنصيحة :
اتبعت المرأة هذه النصيحة ، وعند أول فرصة أتيحت لها ، تركت زوجها بمفرده في الظلام ، صاح الرجل مفزوعًا حتى غرق أخيرًا في النوم ، حيث كان ينتظر ، استيقظ في الصباح ، وعاد إلى البيت مغضبًا .النقش على السكين :
كان من بين الأشياء التي ورثها من أبيه سكين صدئة ، التقطها وراح ينظفها ، وبينما هو على هذه الحال قرر ألا يعيش مع زوجته بعد الآن ، انطلق خارجًا حتى وصل إلى مكان أريق فيه عسل ، وتعلقت عليه أعداد هائلة من الذباب ممتعة نفسها بالطعام الشهي ، استل سكينة وهوى بها على الذباب العالق في العسل ، فقتل ستين ذبابة ، وبضربة ثانية سحق سبعين ضحية أخرى ، بعدها اتجه إلى السكاكيني دون إبطاء ، وطلب منه أن يحفر على سكينه ، ما يلي : بضربة واحدة قرة مصطفى البطل قتل ستين ، وبالضربة الثانية جندل سبعين .برية العفاريت :
انتهى النقش وأعيدت السكين إلى صاحبها الذي مضى لحال سبيله ، حتى وصل إلى البرية ، ولما حلّ الظلام ، استلقى ونام غارزا سكينه في الأرض ، في تلك البرية كان يعيش أربعون عفريتًا ، يخرج أحدهم للتمشية في الصباح الباكر كل يوم ، أبصر العفريت الرجل النائم ولمح سكينه ، وقرأ النقش المحفور عليها فشلّه الذعر ، ولما أبصر العفريت مصطفى يستيقظ ، رأى أن يعمل على تهدئة هذا العملاق ، فتوسل إليه أن ينضم إليه هو وأخوته ، سأله البطل : من أنتم ؟ أجاب : نحن أربعون عفريتًا ، ولو أنك قرّرت أن تنضم إلينا فسنكون ، واحدً وأربعين .مصطفى وعفاريت البرية الأربعين :
قال مصطفى : أرغب في الانضمام إليكم ، اذهب وأخبر الآخرين ، ما ان سمع العفريت هذه الكلمات حتى هرع إلى رفاقه يقول لهم : يا أخوتي ، أحد الأبطال يرغب في الالتحاق بنا ، قوته الهائلة تظهر في النقش المحفور على سكينه : بضربة واحدة قرّة مصطفى البطل العظيم قتل ستين ، وبالضربة الثانية جندل سبعين ! أسرع العفاريت لمقابلة مصطفى ، الذي ما أن رآهم حتى شعر بشجاعته تغادره ، مهما يكن ، فقد تمالك نفسه قدر الإمكان واستطاع بالكاد أن يقول لهم : حياكم الله ، يا رفاق !اختبار من العفاريت لمصطفى :
رد العفاريت تحيه في تواضع ، وأفسحوا له مكانا بينهم ، وبعد قليل سأل : هل بينكم أي زميل مثلي؟ أكد له العفاريت ألا أحد مثله ، فاقتنع مصطفى ، وواصل : لأنه ، إن كان يوجد واحد ، فدعوه يتقدّم ويجرّب قوته معي ، رد العفاريت مجتمعين وهم يمضون إلى البيت : وأين يوجد ندٌله ؟ كان على العفاريت أن يجلبوا ماءهم من مسافة بعيدة ، وكانوا يقومون بهذه المهمة بالدّور على حسب أرقامهم ، ولما كانت العفاريت عمالقة في بنيتهم وقوتهم ، فقد كانوا بطبيعة الحال قادرين على حمل مقدار هائل من المياه يعد حمله مستحيلاً على البشر ، وفي اليوم التالي ، اقترب منه عفريت ، وقال له: إنه دورك في جلب الماء ، ويؤسفنا أن نقول البئر بعيد .خطة مصطفى :
خاطبه العفاريت معتذرين خوفًا منه ، فكرّ مصطفى قليلاً ، ثم طلب حبلاً ، فأحضروه له : أخذه واتجه صوب البئر ، راحوا ينظرون إليه من مسافة ، فرأوه يربط الحبل بحجر البئر ، اندهشوا وجروا نحوه صائحين متسائلين عمّا يريد أن يفعل ، أجابهم : أوه ، إنني فقط سأضع البئر على ظهري وآتي به إلى البيت ، فلا يعود أحدٌ بحاجه إلى أن يقطع كل تلك المسافة لجلب الماء .ذكاء مصطفى وخوف العفاريت منه :
توسلوا إليه باسم الله أن يكف عن هذا ، فوعدهم أن يفعل ان هم كفوا عن مضايقته في طلب جلب الماء لهم مرة ثانية ، وبعد بضعة أيام ، جاء دور مصطفى في جلب الحطب من الغابة ، وللمرة الثانية طلب منهم أن يأتوه بحبل ، وأخذه ومضى ، أخفى العفاريت أنفسهم وجعلوا يرقبونه ، وفي طرف الغابة أبصروه يدقّ وتدّا في الأرض ، ويشد إليه الحبل ثم أخذ يسحبه حول الغابة .وبالمصادفة هبت الريح وحركت الأشجار إلى الأمام وإلى الخلف ، فصاح العفاريت : ماذا تفعل يا مصطفى ؟ .. قال : سأسحب فقط الغابة كلها إلى البيت في الحال ، ولا حاجة حينئذ للعناء في قطع الحطب وجلبه من الحين للآخر ، صاح العفاريت : لا تقلقل الأشجار ، فسوف تحطم الغابة كلها ، وسنقوم نحن بجلب الحطب .خطة العفاريت للتخلص من مصطفى :
صار العفاريت أشد خوفًا من مصطفى ، فدعوا لاجتماع للبحث في أفضل طريقة للتخلص من رفيقهم المرعب ، واتفقوا على أن يصبوا عليه ماءً مغليًا في الليل وهو نائم ، وهكذا يقضون عليه ، ولسوء حظهم سمع مصطفى حديثهم كله ، وأعد نفسه للأمر ، أوى في المساء إلى سريره كالمعتاد ، غلا العفاريت الماء وصبوه من سطح الغرفة على الفراش ،وكان مصطفى قد وضع وسادة بدلاً منه تحت الغطاء ، ووضع على رأس الوسادة طربوشه وسحب الغطاء على الوسادة ، وأوى غلى ركن آخر في الغرفة ونام فيه نومًا عميقًا ، وعندما جاء الصباح ظنّ العفاريت أنه مات ، وطرقوا الباب ، فجاءهم الرد من الداخل من هناك ؟خطة العفاريت الثانية :
فطلب منه العفاريت المذعورين أن ينهض لأن النهار قد انتصف ، قال لهم مصطفي : لقد شعرت بحر شديد ليلة أمس وكأنني في ماء ساخن ، فتعرقلت ، دهش العفاريت حين علموا أن الماء الساخن لم يزده إلا تعرق فقط ، وخطط العفاريت في هذه المرة أن يلقوا أربعين كرة من الحديد فوق مصطفى وهو نائم ، واستمع بطلنا أيضًا لهذه الخطة الجديدة .ولما حان وقت النوم ، وضع مصطفى وسادة بدلاً منه تحت الغطاء ، ووضع على رأس الوسادة طربوشه وسحب الغطاء على الوسادة ، وأوى على ركن آخر في الغرفة وانتظر يراقب ما يحدث ، صعد العفاريت على سطح الغرفة وانهالوا بالكرات الحديدية على فراش مصطفى ، وفي صباح اليوم التالي ، طرق العفاريت الباب على مصطفى .ولكن لم يأتهم هذه المرة جواب !! فأخذوا يهنئون بعضهم البعض أن البطل لم يزعجهم مرة أخرى ، غير أنهم قرعوا الباب لمزيد من التأكد وأصدروا صيحات عالية ، وسرعان ما تأكدوا أن فرحهم كان سابقًا لأوانه ، لأن صوت مصطفى سمع بوضوع ، وهو يقول : أنا لم أتمكن من النوم ليلة البارحة ، بسبب تقفز الفئران عليّ ، دعوني أنام قليلاً .مصطفى البطل في مواجهة العفريت العملاق :
جنّ العفاريت هذه المرة ، أي نوع من الرجال هذا الذي لايري في الكرات الحديدية الثقيلة سوى فئران تتقافز ! وبعد عدة أيام معدودة قل العفاريت لمصطفى : أن لنا في البلاد المجاورة عفريتًا ، هل أنت مستعدًا لتخوض معه نزالاً ؟ ، سأل مصطفى ان كان العفريت قوي أم لا ؟ قالوا له جدًا ، إذن بإمكانه المجيء .قال مصطفى ذلك وكان عل وشك أن يموت خوفًا ، وعندما ظهر العفريت العملاق اقترح افتتاح النزال بجولة مصارعة ، واتفقا على ذلك ، ومضيا إلى الحلبة ، أمسك العفريت مصطفى من خناقه ، بقبضة حديدية كادت عيناه تخرج من محجريها ، سأله العفريت وهو يرخي قبضته : فيم تحدق ؟ أجاب بطلنا باحتقار بالغ : كنت أنظر من أي علو يجب أن أقذفك حتى تتحطم جميع عظامك عندما تسقط .مغادرة مصطفى برية العفاريت :
لما سمع العفاريت هذا ، جثوا على ركبهم جميعًا وطلبوا السماح من مصطفى ، وتوسلوا به أن يرأف بهم ، ويوفر حياة أخيهم ، فصفح عنه مصطفى وغفر له عدوانيته بنبل ، طلب منه العفاريت أن يقبل ضيافتهم ويأخذ منهم عددًا كبيرًا من القطع الذهبية ، ليعود بها إلى بيته ، قبل مصطفى الهدية وأفصح عن رغبته في العودة إلى بيته ، سر مصطفى في سريرته ، وقبل الهدية وانطلق برفقة عفريت واحد أوكل إليه رفقته .الوصول للبيت :
حين وصل أمام بيته ، أبصر مصطفى زوجته تتطلع من النافذة ، وما إن وقعت عليه عيناها حتى صاحت : هاهو زوجي الجبان قد عاد برفقة عفريت! وكان مصطفى يشير لها من خلف العفريت أن تصمت ، ولا تتفوه بشيء ، ثم أخذ يجري صوب المنزل ، سأله العفريت : إلى أين أنت ذاهب بهذه السرعة ؟ قال البطل الطائر : إلى المنزل لأحضر قوسًا وسهمًا لأرميك به ، سمع العفريت هذا وانطلق كالسهم ليلحق بإخوته .استدعاء مصطفى من قبل والي المدينة :
لم يكد مصطفى يستريح في بيته ، حتى جاءته أخبار عن دب شرس أخذ يعيث في المنطقة فسادًا ، ناشرًا الزعر ، ذهب السكان إلى الوالي وتوسلوا له أن يطلب من البطل أن يذبح السفاح ، قائلين : لقد تحدى أربعين عفريتًا ، ومن المؤسف أن يتعرض الكثيرون إلى القتل بواسطة دب .أرسل الوالي بطلب مصطفى وأعلمه أنه من غير المناسب ، أن يتعرض الناس لإرهاب ، دب في حين أن في المنطقة رجلاً شجاعًا مقدامًا مثله ، عندئذ قال مصطفى : دلّوني على مكان الدب ، واستدعوا أربعين خيالاً للمجيء معي .خطة مصطفي للدب واستغراب الفرسان :
استجيب طلبه ، وذهب مصطفى إلى الإسطبل وأخذ قبضة من الحصى الصغيرة وقذف بها الجياد ، أخذت الجياد كلها ماعدا واحد ، تشب رافعة قميها الأماميين ، فأخذ مصطفى لنفسه ذلك الحصان ، ولما رأى الفرسان ما فعله ، أشاروا على الوالي أن الرجل مجنون ، وأنهم غير مستعدين لمساعدته في اصطياد الدب ، قال لهم الوالي : اذهبوا معه ، وما إن تسمعوا الدب اهربوا واتركوه يفعل به ما يريد .قرة مصطفى البطل :
انطلق الموكب ، ولما وصلوا إلى حيث يختبئ الدب ، ترك الفرسان الممتطون جيادهم بطلنا في ورطة وفلوا راجعين ، حثّ مصطفى جواده على التحرك ، لكنه لم يتحرك قيد أنملة فهجم عليه الدب بخطوات مرتفعة خرقاء أبصر مصطفى شجرة قريبة مواتية ، فقفز عليها من ظهر حصانه وأمسك بالفروع المتدلية .ثم أخذ يسحب نفسه إلى الأعلى ، جاء الدب إلى أسفل الشجرة وراح يهم بتسلقها ، فأفلت مصطفي قبضته وقفز على ظهر الدب وراح يلكم أذني الدب بعنف شديد ، مما جعل الدب ينطلق في الطريق الذي مضى منه الفرسان ، وعلى ظهره مصطفى ، فلما رأى الفرسان المشهد ، خذوا يقولون : قرّة مصطفى البطل آت .بطوله واحترام :
التفتوا كلهم وأدركوا واقع الحال ، فأطلقوا سهامهم ورماحهم على الدب حتى مات ، بعد تلك الحادثة انتشرت شهرة مصطفى إلى أقاصي بعيدة ، ومنحه الوالي العديد من نياشين الشرف ، فتمتع البطل باحترام جيرانه طوال حياته .