الرضا نعمة كبيرة ، لا ينعم بها الكثيرون ، وهي من منح الله عز وجل على عباده الصالحين ، فإذا رضى العبد بقضاء الله وقدره ورزقه له ، أرضاه الله وأدهشه بعطائه ، فكل شيء عنده بمقدار سبحانه .ولكن ليس الجميع يتمتعون ، ويرفلون في تلك النعمة العظيمة ، فنرى الكثير يتأففون من حالهم ، ولا ينظرون لما بين أيديهم من نعم ، فيبدؤون في التأفف مما رزقهم ، ويكدرون عيشهم بأنفسهم ويلومون أنفسهم ، على ما رزقهم الله ، فيعاقبهم الله بزوالها ، ولعل قلة الرضا كانت هي حال زوجة هذا الصياد .يحكى أنه كان هناك صيادًا فقيرًا ، يخرج كل يوم إلى البحر القريب ، ليصطاد بعض الأسماك ، ثم ينطلق بما اصطاده من نعم الله ، إلى السوق ليبيعها ، ثم يأتي بثمنها ببعض الطعام ، وحاجيات منزله ، وكان يحمد الله كثيرًا على ما رزقه .بينما لم تكن زوجة الصياد راضية ، بما أتاهما الله من رزق ، فكانت دائمة الشكوى ، وكثيرًا ما لامته على تقصيره ، وكانت دائمة الطمع في الكثير من المال ، وتعيّره بأنها لا تعش ، مثل جيرانهم أو من تعرفهم من الأغنياء ، فكلهم مرفهون وهي لا ، وأخبرته أنه كسول للغاية ، لا يأتي سوى بالقليل فقط ، وهي ترغب بالمزيد .خرج الصياد الفقير مهمومًا ، وقد حمل شبكته على كتفيه ، راغبًا في حصاد المزيد من الأسماك ، إرضاء لزوجته التي لا تنفك عن لومه .وألقى الصياد بشبكته ، وظل إلى جوارها فترة من الوقت ، ثم سحبها فلم يجد أية سمكة ، فألقى بها ثانية لفترة من الوقت ، غير قصيرة ثم سحبها ليجدها خالية تمامًا ، فبدأ يفكر ويقول لنفسه ، أنا أتعس الناس وأقلهم حظًا ، ورزقي قليل وليس لدى ، أي من النعم التي ينعم بها غيري .هنا برقت السماء قليلاً وتوهجت ، ثم ظهرت للصياد الفقير حورية جميلة ، فسألها من تكون ، فأجابته أنها حورية ، قد أتت إليه لتساعده في تحقيق ثلاث أمنيات ، وأمرته أن يطلب ما يشاء ، ولكن عليه أن يتمنى ما ينفعه أولاً .ذهب الصياد الفقير إلى زوجته مسرعًا ، وأخذ ينادي عليها بصوت مرتفع ، فنهضت من فراشها غاضبة ، وهي تلومه بأنه أزعجها بصوته ، فأخبرها ما حدث معه بالتفصيل ، ففرحت الزوجة وأطلقت زغرودة عالية ، وقالت وهي تمني نفسها بالنعيم ، سوف نرفل في النعيم ، وسأطلب المجوهرات والذهب والفضة ، وكل ما هو غال ونفيس ، سوف ننعم بالرفاهية للأبد ، ونترك الفقر خلفنا ، فقال لها الزوج نعم يا عزيزتي ، ولكن علينا أن نحذر فيما نطلب ، كما نصحتني الحورية .جلس الزوجان يفكران فيما يجب أن يتمنياه ، ومن شدة التعب والإرهاق تمنى الزوج ، لو أن بين يديه الآن كوبًا من الشاي ، يشربه ويسترخي قليلاً ، وفي لمح البصر وجد في يده كوبًا من الشاي ، فنظرت له الزوجة بذهول وغيظ شديد ، ولامته صارخة على تضييعه لأول أمنية له .وأثناء الشجار بينهما ، قال الزوج صارخًا أتمنى لو أن قطعة من اللحم ، تسد فمك الآن حتى أستريح من معاناتي معك ، وفي لحظة تحققت الأمنية ، التي وقف الزوج يضحك عليها قليلاً ، ثم شعر بالندم ، فتمنى أن تزول تلك اللحم ، عن فم زوجته ، فزالت ، وجلس كلاهما على الأرض ، حيث شكرته الزوجة ، على تضحيته بالأمنية الأخيرة من أجلها ، وقال لها الزوج ، ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، ويجب علينا الاقتناع التام ، بكل ما وهبنا الله من رزق ، فوافقته الزوجة على ما قال .