يُحكى أنه في قديم الزمان كان يعيش رجل اسمه معروف في مدينة القاهرة ، وكان معروف اسكافي فقير يعمل على ترقيع الأحذية ونعلها ولكنه كان ضيق الحال فقلما أتاه رجلًا أو امرأة يطلب منه ترقيع نعله ، وكانت زوجة معروف امرأة سليطة اللسان غليظة القلب تعامله بقسوة ولا تسمعه إلا مر الكلام بسبب رقة حاله .وكانت تلح عليه دائمًا في إحضار ألوان الطعام والشراب وشراء الثياب الغالية ، ولا تقدر ما هو فيه من ضيق اليد وغلبة الفقر ، وذات يوم طلبت الزوجة القاسية من زوجها معروف أن يحضر لها فطيرًا بالسكر والعسل ومربى اللارنج ، وأصرت عليه ألا يعود إلى المنزل إلا ومعه الحلوى .فاستمهلها أن تنتظر عليه يوم أو عدة أيام ريثما ينصلح حاله ويجلب المال ، لكنها أخذت تصرخ في وجهه وأصرت عليه أن يحضرها حتى لو استدان من الحلواني ، فذهب معروف إلى دكانه مغلوبًا على أمره وانتظر أن تأتي إليه الزبائن فينصلح حاله ، ولكن الله لم يوفقه في هذا اليوم .فذهب إلى الحلواني بنفس كسيره وقص عليه قصته فأشفق الحلواني على حاله وأعطاه فطيرًا بالسكر والعسل ، ولكن لم يستطع أن يقدم له شيئًا من مربى اللارنج لأنها نفذت من دكانه ، فعاد معروف إلى زوجته بالحلوى ولكنها غضبت وثارت حين نظرت ولم تجد مربى اللارنج ، وألقت بطبق الفطير في وجهه فجرحته جرحًا بالغًا .كما قلبت المنضدة التي عليها عدته وأدواته على الأرض ، فغضب معروف من تلك الزوجة السليطة وترك لها المنزل وهي تسب وتلعن عازمًا على ألا يعود إليها مرة أخرى ، وظل معروف يمشي مبتعدًا عن المنزل وهو يدعو الله أن يهديه لمكان أخر يعيش فيه ، بعيدًا عن تلك الزوجة التي لا تحمد الله ولا تشكر رزقه ، وبينما هو سائر حل عليه التعب فجلس إلى جوار حائط يسند رأسه قليلًا ، فإذا بصوت ضجة كبيرة تنبعث من الجدار .وفجأة انشق الجدار عن مارد ضخم وقف أمام معروف وقال له : أنا هنا لأحقق أمنيتك اعتلي كتفي كي أوصلك إلى مكان تعيش فيه ، فأفاق معروف من ذهوله ونفذ ما طلبه المارد وفجأة انتقل المارد بمعروف إلى قمة جبل وأنزله هناك ، فلما نظر معروف أمامه وجد مدينة كبيرة فتوجه إليها وانصرف المارد .ظل معروف يمشي باتجاه المدينة حتى وصل إليه وتجمع حوله الماس ، ليعرفوا من هذا الغريب الوافد على مدينتهم فأخبرهم أن اسمه معروف وهو من القاهرة ، وكان من بين المتجمهرين حوله رجل يدعى علي قال له أنه أيضًا أتى من القاهرة ، وقص عليه قصته .فعندما أتى إلى تلك المدينة لم يكن معه مالٍ يتاجر به أو يقتات منه ، فأخبر الجميع أنه تاجر غني ولكنه ينتظر قافلته التي تأخرت عن المجيء ، واستدان من الناس المال بالمدينة فأقرضوه حتى تصل قافلته ، ولما جمع منهم المال اشترى بضاعة وتاجر بها حتى استطاع جمع المال وقام برد كل الديون إلى أصحابها .وأشار التاجر على معروف أن يفعل مثلما فعل وأقرضه بعض المال كي يشتري حمارًا ، ويستأجر بيتًا ويحسن للفقراء منه حتى يظن الجميع أنه ثري ، ففعل معروف كما أشار عليه التاجر علي وبالفعل صدق الناس أن معروف تاجر ثري ، وبدأ يستدين من الأعيان والتجار بحجة أن قافلته قد تأخرت في الطريق .ولما طال الحال ولم يسد معروف ديونه للتجار قلقوا وذهبوا يشتكونه إلى الملك ، لكن الملك لم يصدق أن رجل مثل معروف يحسن للفقراء ويهب الأموال والعطايا رجل نصاب أو فقير ، لذا استدعى وزيره وأخذ يتحدث معه في أمر معروف وأخبره أن يرتاح له ويرغب في تزويجه من ابنته الأميرة .فأضمر الوزير الشر من ناحية معروف لأنه كان يرغب في الزواج من الأميرة ، وأخذ يبث سمه في أذن الملك من ناحية معروف ويشككه فيه ، فأرسل الملك في طلب المعروف كي يختبره وأعطاه جوهرة ثمينة وقال له أخبرني يا معروف كم تقدر قيمة تلك الجوهرة ؟فأدرك معروف أن الملك يختبره فقال يا مولاي إنها قيمتها لا تزيد عن عشرة ألاف دينار ، ولكن عندي ياقوتًا يساوي مئات الآلاف فاطمئن الملك لمعروف وصدق ما قاله من أن قافلته على وشك الوصول في الطريق ، بعدها أخبر الملك معروف في رغبته بتزويج ابنته منه فاعتذر معروف للملك لأن المال الذي معه لا يكفي لتقديم مهر الأميرة وجزل العطايا للفقراء بمناسبة العرس .فقال له الملك خزانة الملك تحت أمرك لحين وصول قافلتك يا معروف ، وبالفعل أخذ معروف يسحب من خزينة الملك ويعطي للفقراء حتى أحبوه ، ولما طال الأمر وأوشكت خزينة الملك على النفاذ أخذ الوزير يقلب الملك على معروف واتفق الملك مع ابنته أن تستقصي عن الأمر وتعرف سر معروف .فقالت الأميرة لمعروف أخبرني بسرك فأنا زوجتك وسأكون عونًا لك وحافظًا لكل ما تقول ، فحكى لها معروف قصته وما جرى معه منذ ولد حتى تزوجها ، فكتمت الأميرة سر زوجها وطلبت منه أن يتخفى في الليل في ملابس الفرسان ويغادر المملكة إلى مملكة أخرى يعمل بها ويجمع المال كي يسد ما عليه .ففعل معروف كما أشارت عليه زوجته وفي الصباح استدعى الملك الأميرة وسألها عن الأمر ، فقالت له لقد سطا اللصوص على تجارته فارتدى زي الفرسان وسافر كي يطارد اللصوص ويسترد بضاعته ، فصدق الملك ما قالته ابنته ، أما معروف فمر بمملكة مجاورة ورأى فلاحًا يحرث الأرض فأراد مساعدته وبالفعل أخذ الفأس وأخذ يحرث معه .فاستأذن الفلاح كي يجلب لمعروف الطعام وبينما كان معروف يضرب الأرض بالفأس وجد حلقة ذهبية ففتحها ، فإذا بسلم لولبي يمتد إلى أسفل الأرض فنزل معروف ووجد أمامه كنز ثمين من الجواهر واللألئ ، وكان في الكنز خاتم لامع فارتداه معروف فإذا بجني ضخم يتجسد أمامه .ويقول له : مرني فأنا خادمك المطيع فطلب منه معروف أن ينقل كل هذا الكنز في خيمة يذهب بها إلى المملكة ، ولما عاد الفلاح رأى معروف وسط الكنوز والجواهر فظن أنه الملك ولكن معروف أخبره أنه زوج ابنته وجزل له العطايا الثمينة .ولما عاد معروف إلى المملكة استقبله الجميع بحفاوة بالغة ، وفرح الملك والأميرة بعودته ، وفي مساء أحد الأيام كان معروف يحتفل مع الملك والوزير فشرب كثيرًا واستدرجه الوزير حتى علم قصته الحقيقية وسر الخاتم المسحور ولما غفى معروف غافله الوزير وأخذ منه الخاتم ليرتديه .وحينما ارتدى الوزير الخاتم ظهر له المارد وقال له مرني فأنا خادمك المطيع ، فطلب منه الوزير أن يأخذ الملك ومعروف ويلقي بهما في الصحراء ، ففعل المارد ما أمره به الوزير وبعدها استولى الوزير الخبيث على الحكم وطلب الزواج من الأميرة ، فطلبت منه مهله كي ينتهي حدادها على أبيها وزوجها .فلما انتهت المهلة واجتمعت الأميرة بالوزير أخبرته أن خاتمه يضايقها كلما لمسها ، فخلعة الوزير في غمرة الشوق والوله ولما نام الوزير ارتدت الأميرة الخاتم وظهر لها المارد فطلبت منه أن يقيد الوزير ويسجنه ويعيد إليه أبيها الملك وزوجها فنفذ المارد أمر الأميرة وعادت المملكة كما كانت من قبل في سعادة وسلام .وبعد سنوات مات الملك وتولى معروف الحكم وصار هو ملك البلاد وزوجته الأميرة هي الملكة ، وحكموا بين الناس بالعدل ولم يعد في مملكتهم فقيرًا ولا محتاجًا لأنهم كانوا يجزلون للناس العطايا ولا يفرقون بينهم ، فأحبهم الناس وعاشوا في ظلهم سنواتٍ طوال .