الأمانة صفة حميدة ، يجب أن يتصف بها كل مسلم خلوق ، يتمسك بتعاليم دينه الحنيف ، وتعني الأمانة في مفهومها البسيط ، أن نعيد لكل شخص حقه ، وأن نحافظ على ما يملك ، مثلما نحافظ على ما نملك ، فتلك هي واحدة من أسس الإسلام .وذُكرت الأمانة في كتاب الله الكريم ، عندما ذكر المولى عزوجل ، أن الأمانة يجب أن تُرد إلى أهلها ، وجعلها المولى الكريم حملاً للسماوات والأرض ، ولكنهم أبوا أن يحملونها فحملها الإنسان ، فكان سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، خير مثال لنا ودليلاً واضحًا على كيفية رد الأمانة ، والحفاظ أيضًا عليها ، فنحن يجب أن نتحلى بأخلاقه .نجد أن الله عز وجل قد ائتمن رسوله الكريم ، على حمل رسالة دين الإسلام ونشرها ، فكان النبي الأمين ، مثالاً قويًا لكيفية عمل ذلك ، حيث دعا الناس إلى الإسلام ، وخاض من أجل دعوته الكثير من الغزوات ، والفتوحات فأتاه نصر الله ، جزاء له على أمانته ، فلُقب بالصادق الأمين ، وكان الجميع يحتكمون إليه في الخصومات ، ولا ننس أن النبي الكريم ، قد حصل على مال السيدة خديجة ، فتاجر به واتسعت تجارته قبل أن يتزوجا ، ومنحها ما جناه من أرباح مضاعفة ، بكل أمانة ورد إليها حقوقها .وفي قصتنا هذه نرى ، كيف أن المسلم الحق ، يقتدي برسول الله الكريم في أخلاقه وأمانته .يقول الراوي أنه كان يجلس برفقة ، أحد المشايخ في عطارته الخاصة ، وكانا يقرآن القرآن الكريم ، فمر عليهما أحد الأشخاص ، يبيع بعض العطر في صحن يحمله ، فقطع الشيخ تلاوته ، ونظر للرجل ثم طلب منه بعض العطر ، فباعه الرجل شيئًا منه ، وأثناء تحرك الرجل لمغادرة المكان ، سقط منه الصحن ، الذي يحمل العطر ، فجلس الرجل إلى جوار صحنه ، يبكي بكاء شديدًا ، فرقّ قلب الشيخ إليه ، ونهض يواسيه .فقال له لا تبكي فمصير الدنيا ، أهون من ذلك ، فرفع له البائع الفقير رأسه ، وقال له أنه لا يبكي على عطره الذي ضاع ، وأنه قد كان رجلاً غنيًا ، ولكنه خرج مع أهله ، في قافلة فضاع منه صندوقًا يحوي ، أربعة آلاف دينار ومعها ، فصوص تقدّر بنفس الثمن ، ولكنه لم يجزع حين حدث ما حدث ، لأنه كان يملك غيرها .أما الآن فقد أتاه وليدًا ، واضطر أن يخرج هو لبيع ما يقدر عليه ، حتى يستطيع أن يوفر لزوجته وابنه الوليد ، ما يكفي حاجتهما ، وليس لديه شيء آخر ليبيعه غير هذا العطر .كان يجلس إلى جوار الراوي والشيخ ، جنديًا يستمع إلى الحديث من أوله ، فطلب من الشيخ أن يأتي بهذا الرجل ، إلى منزل الجندي دون أن يخبرهم عما يريد ، فذهبوا جميعًا برفقة الجندي ، وهم لا يدرون دافعه ، ولكنهم ظنوا جميعًا أنه سوف يساعده ، بشيء ما فائض عن حاجته .عقب أن وصل الجميع إلى منزل الجندي ، سأل الأخير البائع عن موعد ارتحال القافلة التي ذكرها ، وكيف كان خط سيرها ، وطلب منه أن يصف له الصندوق ، فأجابه البائع عن كل أسئلته تفصيلاً ، فإذا بالجندي الأمين يخرج الصندوق ، الذي ما أن رآه الرجل ، حتى تهلل وجهه فرحًا ، وأقسم أن هذا الصندوق هو بالفعل ما يخصه ، وطلب أن يعطي للجندي نصيبًا ، مما بالصندوق من المال ، فرفض الجندي أن يحصل على شيء ، فهو يرى أن الأمانة خلق حسن ، لا ينبغي أن يحصل المسلم على مقابل لها ، فعاد البائع إلى أهله ، فرحًا مطمئنًا برحمة الله به .