علّمنا ديننا الحنيف ، أن الكلمة الطيبة هي خُلًق المسلم الحسن ، وأنها صدقته في الأرض ، ينال بها رضا المولى عزوجل ، حيث تنطلق الكلمة الطيبة من فم المسلم الحق ، لتضيء العالم بنورها وعطرها الطيب ، وهي عنوان المتحدث والدليل إلى تقواه ، وقد حثنا رسولنا الكريم ، صل الله عليه وسلم ، على التمسك بأخلاقه فلم نسمع عنه قط ، أنه قد تحدث بالسوء إلى شخص ما ، أو من وراء ظهره ، فكان دائمًا صل الله عليه وسلم ، طيب اللسان حيث تفوح من بين شفتيه ، الكلمات الطيبة كالعطر المنبعث من حديقة مزهرة .وفي ديننا عدد من الأحاديث النبوية ، والآيات القرآنية التي تحثنا كمسلمين ، على النطق بالكلم الطيب ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن الرسول صلّ الله عليه وسلم ؛ قال أن الكلمة الطيبة صدقة ، وهو حديث متفق عليه .كما قال المولى عزوجل في كتابه الكريم ؛ (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْحَوْلِكَ) ، (سورة آل عمران ؛ الآية 159) .وهكذا يرشدنا ديننا من كتاب الله وسنة رسوله ، أن الكلمة السيئة هي دليل على الابتعاد عن الدين ، والنقص في إيمان الشخص المسلم ، فقد روى عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما عن رسول الله ، صل الله عليه وسلم ، أن المسلم من سلِم المسلمون ، من لسانه ويده ، والمهاجر هو من هجر ما نهى الله عنه ، وفي هذا الحديث أمر صريح وتوضيح لما يجب على المسلم الحق أن يفعل تجاه من حوله .فإذا اجتنب المسلم أن يسيء إلى غيره بلسانه ، بأية كلمة سيئة فلن نسمع بآذاننا ما يؤذينا ، وسوف يرغب ويحب الجميع أن يتعاملوا معنا ، ولعل هذا هو ما فعله عبد الله ، بطل قصتنا فأحبه الجميع.كانت هناك أسرة صغيرة مكونة ، من أم وطفليها عبدالله وطلال ، وكان عبد الله يتميز دومًا بالخلق الحسن ، والكلمة ا لطيبة التي تخرج من بين شفتيه ، فأحب الجميع التعامل معه والسير بصحبته ، بينما كان طلال مشاغبًا ولا يسمع منه الأصدقاء ، سوى الكلمات السيئة ، فلم يكن يحبه أحد أو يرغب في التعامل معه .وذات يوم اضطرت والدة عبدالله وطلال ، للخروج من المنزل لقضاء بعض الاحتياجات لدى أقاربهم ، في مدينة أخرى غير مدينتهم ، هنا طلبت الأم من طفليها الاعتناء بنفسيهما ، فابتسم عبد الله في وجهها ، ببشاشة معتادة وأخبرها ألا تقلق عليهما ، فطلبت منهما أن يعتنيا بالحظيرة وبما فيها من حيوانات ، فأجابها الطفلان أن العناية بالمنزل والحظيرة واجب عليهما ، لحين عودتها سالمة ، فتوكلت الأم على المولى عزوجل ، وودعت طفليها وانصرفت ، وهي ترغب في أن يتولى الطفلان زمام أمورهما ، وقد قصدت أن تتغيب عنهما لبضعة أيام لغرض ما في نفسها ، وحكمة ترغب في تحقيقها .اتفق عبدالله مع شقيقه طلال على أن يقوما بتنفيذ وعدهما لأمهما ، فاتفقا أن يقوم عبد الله بإطعام البقرة وسقايتها وحلبها ، بينما يقوم طلال بمهمة النزول إلى السوق وبيع الحليب ، وإحضار مستلزمات المنزل من طعام ، على أن يتبادلا المهام كل يوم ريثما تعود أمهما .كان عبد الله ينزل إلى السوق لبيع الحليب ، فكان يعود على فوره ، وهو يحمل النقود والطعام للمنزل ، وذلك نتيجة حسن خلقه ، وبشاشة وجهه الدائمة ، وتبسّطه مع الجميع ، فكان الناس يحبون شراء احتياجاتهم منه .بينما كان ينزل طلال إلى السوق ويظل فيه بالساعات ، حتى تحرق الشمس رأسه ، ثم يعود كما ذهب بالحليب ولا أحد يشتري منه ، وذلك نظرًا لخلقه السيئ ، وتجهمه في وجه الناس ، وعدم تبسطه معهم ، مما جعل الناس ينفرون منه ومن التعامل معه .حزن طلال حزنًا شديدًا ، وذهب باكيًا إلى شقيقه عبدالله ، وهو يتساءل لما لا يحبه الناس مثل شقيقه ، فربت عبد الله على كتفي شقيقه طلال وابتسم في وجهه ، وقال له أن ديننا الحنيف قد أمرنا بالتبسم في وجوه بعضنا البعض ، فابتسامتنا صدقة نُجزى عليها بأجر كبير ، فقد قال رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم ؛ تبسمك في وجه أخيك صدقة ، ولهذا يحب الناس التعامل مع من يبتسم في وجوههم ، ويشعرهم بأن الحياة جميلة .ومنذ ذلك اليوم ، عادت الأم لتجد طلال وقد بدّل من نفسه ، وصار يتبسم في وجه الجميع ، ويحدثهم بالكلام الطيب ، فأحب الناس أن يتعاملوا معه ، مثل شقيقه عبدالله ، ففرحت الأم بحكمتها الشديدة ، عندما تركت طفليها يتدبران أمورهما لفترة من الوقت ، حتى يتعلما كيفية التعامل مع الناس كمسلمين ، يتمتعان بالخلق الحسن .