في فصل الصيف ، حيث الشمس ترسل أشعتها النارية على الحقل الصغير ، وصاحبه قد أخذ يحفر الأرض بفأسه ، لييسر لنفسه اقتلاع البصل والجزر ، وكان قد نسيهما طويلًا ، ولولا عناية السماء بهما وما بعثت به من غيث ما نبتا ، ولا أطلت شواشيهما الخضراء من باطن التربة ، لأنه قد غفل عنها ولم ينقي من حولها الحشائش العشوائية البرية ، التي قاسمتها طعامها وضوء الشمس .الفلاح والجزرة :
وما إن فتحت الجزرة عينيها على النور، حتى قالت له معاتبة : آه ، ها قد تذكرتنا أخيرًا ، هل جئت للحصاد !.. تلفت الفلاح من حوله باحثًا عمن يتكلم ، فلم يجد أحدًا !! فازداد دهشة على دهشة !الفلاح والبقرة :
وتطلع إلى البقرة التي كانت تقف بجانبه وهي تجتز طعامها ، وسألها : هل أنتِ التي تكلمتِ ؟ لم ترد البقرة فقد كان فمها ممتلئًا بالطعام ، وقد دربت نفسها على ألا تتكلم أثناء ذلك ، ولكن صوتًا إرتفع ليرد على الفلاح ، قائلًا : لم تكن البقرة هي المتحدثة إليك وإنما هي الجزرة التي اقتلعتها من الأرض .الفلاح والعنزة لمعاتبة :
نظر الفلاح مصعوقًا إلى عنزة تقف بجانب البقرة ، وسألها : هل تكلمتِ يا عنزتي العزيزة !.. فردت : من تظن أنه تكلم غيرها ، فقال : الصوت يأتيني الآن من أعلى ، فقالت : نعم إنه صوتي أنا ، فقال : من المتحدث هل أنتِ النخلة ، فقالت إنها أنا ، ولا شئ غيري ، لقد اقتلعت جريدي أمس ، فقال : لقد كنت بحاجة إليه ، فقالت : ولكنك وضعته من أعلى ، فكدت تكتم أنفاسي .الفلاح والحجر :
تعجب الفلاح أكتر وقال : من تكون يا من تتحدث إلى من على الأرض! فقال : أنا الحجر ، قل الفلاح : حتى الحجر يتكلم ؟ والجميع يلومونني ، لن أبقى هنا دقيقة واحدة في هذا الحقل المسحور .الفلاح والسمكة :
ذهب الفلاح مغادراً الحقل ، منطلقًا بأقصى سرعته إلى أن إلتقى مع صياد سمك ، سأله الصياد : لماذا تجري يا عزيزي ، فقال : لقد تكلمت الجزرة والعنزة والنخلة والحجر نطق ، فسمع صوت يقول : وأي شيء في هذا ، إنني أيضًا أتكلم ، فقال الفلاح : من تكونين ، فقالت : أنا سمكة ، قال الصياد : يا سلام ، السمكة تتكلم .هروب الفلاح والصياد والنساج :
شارك الصياد زميله الفلاح في الجري بعد أن ألقى بالشبكة وما فيها ، لكنهم قابلوا نساجًا على الطريق ، يحمل لفة من قماش نسجه ، وإذا بها تقول : ماذا حدث ليجرى كل منكما بهذه السرعة ؟ .. قذف النساج بالقماش وجري معهما !.هروب الفلاح والصياد والنساج والفتاة :
إلى أن أعترضهم نهر وفتاة واقفة تملأ منه الماء ، فتوقفت عما تفعله ، وأرتفع صوت يسأل :هل تطاردون غزالة ؟ فقال الفلاح :هل أنتِ أيتها الفتاة من تسألين ؟ فسمعوا الصوت مرة أخرى يقول : لا ، إنها أنا ، أنا المياه !.. تركت الفتاة الجرة التي كانت تملؤها بالماء ، وجرت مع الفلاح الذي كلمته الجزرة والصياد الذي تحدثت معه السمكة والنساج الذي نطق قماشه وكان الجميع يرتعد فزعًا ورعبًا .الذهاب لشيخ القبيلة :
قالت لهم الفتاة أثناء الجري وهي تلهث : هيا بنا إلى شيخ القبيلة ، فقال الفلاح : وما الذي يمكن أن يفعله ، فقالت الفتاة : يوجد لنا حلًا مع هذه الأشياء التي تتكلم ، فقال النساج : فكرة لا بأس بها .الكل يتكلم :
انطلق الجميع تجاه مكان شيخ القبيلة ، فوجدوه جالسًا إلى مقعد خشبي ضخم ، قال له الفلاح : الجزرة تكلمت ، وقال الصياد : والسمكة أيضًا ، وقال النساج : وقطعة القماش تكلمت هي الأخرى ، وقالت الفتاة : والمياه في النهر تكلمت أيضاً .المقعد يتكلم أيضًا :
قال شيخ القبيلة : هذا كلام خرافي ، أنتم تريدون أن تقلقوا الناس بحكاياتكم الكاذبة ، وترغبون إزعاج السلطة ، فقال الفلاح : بل حدث هذا فعلًا ونؤكد لك ذلك … فسمعوا صوتًا يسألهم ويقول : هل سمعتم بأنفسكم هذه الأصوات ؟ قالوا في نفس واحد: نعم ، وسمعوا نفس الصوت مرة أخرى يقول : كل هذا لا يستدعى الخوف أهو شيء غريب أن يتحدث المقعد الذي يجلس عليه شيخ القبيلة !.الهروب مرة أخرى :
صرخ شيخ القبيلة : خذوني معكم لنجري كلنا ، نحن مساكين ، كل شيء في هذا العصر العجيب والزمن الغريب يتكلم ، وليس هناك من أحد يسمع !.