قدّم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ؛ الكثير من التحذيرات لعباده من أهوال يوم القيامة ؛ وذلك حتى لا يكون لهم حجة يوم الموقف العظيم ، لقد أكدّ المولى عزوجل على أن يوم القيامة سيكون يومًا عصيبًا جدًا ؛ لذلك فُرضت عبادة الله والعمل الصالح من أجل ذلك اليوم .تُعتبر سورة القارعة من قصار السور التي تحدثت عن أهوال يوم القيامة ؛ حيث يقول الله تعالى فيها : بسم الله الرحمن الرحيم { الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ }.والمعنى الوارد لكلمة القارعة هي القيامة ؛ لأنها تقرع القلوب وتُفزعها من هول ذلك اليوم شديد الصعوبة ؛ لذلك تقدم السورة مشهدًا من مشاهد أهوال يوم القيامة ، بدأ الله سبحانه وتعالى السورة بكلمة القارعة في قوله تعالى “الْقَارِعَةُ” ؛ وذلك ليُخبر أن حديثه سيكون عن القيامة لأن القارعة تعني القيامة مثل كلمات أخرى وردت في القرآن الكريم بنفس المعنى كالصاخة والطامة والحاقة ؛ وغيرهم من الكلمات التي جاءت لتؤكد نفس المعنى .ثم جاءت الآية الثانية لتؤكد الآية الأولى في قوله تعالى” مَا الْقَارِعَةُ “؛ وهي صورة توكيدية لما سيوضحه المولى عزوجل من بعض مشاهد ذلك اليوم .وتأتي الآية الثالثة لتُعظم من شأن القارعة في قوله تعالى “وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ “؛ وتزيد الآية هنا من شدة أهوال يوم القيامة ، ثم تقوم الآية التالية بتفسير بعض صور ذلك اليوم ؛ حيث يقول عزوجل ” يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ” ؛ وهنا يعني أن الناس ينتشرون ويتفرقون من شدة حيرتهم مما هم فيه يوم الموقف العظيم .تُكمل الآية التي تأتي فيما بعد وصف ذلك اليوم في قوله تعالى ” وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ “؛ أي أن الجبال أصبحت كالصوف المنفوش الذي بدأ في التمزق والذهاب ، ثم يتحدث الله سبحانه وتعالى عن مصير عباده نتيجة أعمال كل إنسان التي قد تُنجيه أو تُهلكه في قوله تعالى ” فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ” ؛ أي أن الذي ترجح حسناته فتكون أكثر من سيئاته فسيكون مصيره إلى النعيم ؛ وهو ما توضحه الآية التالية لأن الآية السابقة شرطًا لما بعدها ؛ حيث يقول الله تعالى ” فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ” ؛ أي أنه سيتنعم في الجنة.وتأتي الآية التالية لتوضيح الشرط الذي سيودي بهؤلاء العصاة إلى أسوأ مصير ؛ فيقول تعالى ” وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ” ؛ ويعني هنا أن الذي ترجح سيئاته لتكون أكثر من حسناته فأنه سينال العذاب الشديد ؛ والذي يوضحه فيما بعد في قوله تعالى ” فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ” ؛ وقد ورد في هذه الآية بعض التفسيرات المختلفة ؛ حيث قيل أنه سيهوى ويسقط في النار بأم رأسه ؛ وقيل أن كلمة هاوية هي اسم من أسماء جهنم والتي ستكون هي مصيره المحتوم .ثم يُشدد الله تعالى في وصفه على هول تلك النيران التي سيسقط فيها المذنب في قوله تعالى” وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ” ؛ أي أن الإنسان لا يستطيع إدراكها أو معرفة مدى شدتها وقسوتها ، ويؤكد الله ذلك المعنى في الآية الأخيرة بقوله تعالى ” نَارٌ حَامِيَةٌ ” ؛ وهو ما يوضح أن تلك النيران شديدة القسوة والحرارة ، وقد ورد عن رسول الله صلّ الله عليه وسلم أن نار الدنيا ما هي إلا جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم .عرضت سورة القارعة مشهدًا مُروعًا من مشاهد القيامة التي أعدّها الله سبحانه وتعالى من أجل عباده ؛ فهناك من سيكون مصيره إلى النعيم ؛ وهناك من سيؤول به المصير إلى نار جهنم شديدة القسوة .