حذّر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز من الغيبة والنميمة ؛ الذي يؤذي بها البشر بعضهم البعض بكثرة الكلام بالغيب على بعضهم ، كما تحدث القرآن الكريم عن هؤلاء الذين يعتقدون أن المال قد يحقق لهم كل شيء وأنه لن يزول أبدًا ؛ فأوضح المولى عزوجل أنهم يغفلون الحقيقة التي تنتظرهم بعد موتهم ؛ وهي الحساب يوم القيامة .تحدثت سورة الهمزة عن تلك الأمور ؛ وهي من قصار السور المكية ، ويقول المولى عزوجل في سورة الهمزة : بسم الله الرحمن الرحيم وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ .الأية 1اختلفت الروايات الواردة حول أسباب نزول سورة الهمزة ؛ حيث يقولا عطاء والكلبي أنها قد نزلت في شخص يُدعى الأخنس بن شريق ؛ حيث كان يغتاب الناس ويلمزهم بسوء كلامه ؛ وخاصة رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، كما ورد عن مقاتل أن سورة الهمزة نزلت في الوليد بن المغيرة ؛ لأنه كان يقوم باغتياب رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وقيل أنها نزلت في أمية بن خلف .بدأت الآية الأولى بتقديم الوعيد والويل في قوله تعالى ” وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ” ؛ وفي هذه الآية يشير الله سبحانه وتعالى إلى هؤلاء الأشخاص الذين يتحدثون بالسوء على الناس سواء في وجههم أو في غيابهم ؛ لأن الهمزة تعني الكلام السيئ على الشخص في وجهه ؛ أما اللمزة فهي الاغتياب بالكلام في حالة غياب الشخص ، لذلك توعدهم الله بالويل والعذاب نتيجة طعنهم في الناس .ثم جاء بالآيات الثانية قوله تعالى “الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ” ؛ وهنا يذكر الله سبحانه وتعالى سبب عيبهم وغيبتهم للناس ؛ حيث أنهم يستندون إلى كثرة جمعهم للأموال التي يعدونها ؛ وهم يظنون أنها الدرع الواقي لهم من كل شيء ؛ مما جعلهم يحطون من قدر غيرهم من البشر ؛ حيث قد تناسوا مصيرهم المحتوم ؛ وهو الموت والحساب .ويقول المولى عزوجل في الآية التالية ” يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ “؛ أي أن ذلك الشخص الذي يغتاب الناس ويجمع الأموال يظن أن ذلك المال قد ضمن له الخلود في الحياة ؛ وأنه سيحميه من الموت ؛ وبذلك يفعل ما يحلو له دون التفكير في عقاب الله تعالى .ثم يأتي وعيد الله سبحانه وتعالى في الآية الرابعة ؛ حيث يقول تعالى” كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ “؛ وتؤكد الآية الكريمة هنا أن هؤلاء الذين يغتابون الناس ويظنون أنهم مُخلدون بأموالهم ستكون نهايتهم عسيرة جدًا ؛ حيث أنهم سيُقذفون في نار جهنم وبئس المصير الذي ينتظرهم ؛ حيث أنه لا ينفع الإنسان إلا إيمانه وعمله وعلمه ؛ ولكن ذلك المال الذي جعل الناس يتجبرون ويغتابون غيرهم ؛ فإنه حتمًا سيكون طريقهم إلى العذاب في نار جهنم .وزاد الله سبحانه وتعالى من وصف ذلك العذاب في نار جهنم ؛ حيث يقول تعالى “وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ” ؛ وتعني الآية الكريمة أن عقل الإنسان لا يستطيع أن يحيط بمعرفة تلك الحطمة ؛ التي أُعدت من أجل عذاب المتجبرين أمثال أولئك الذين يغتابون ويطعنون غيرهم .ويفسر المولى عزوجل في الآية التالية صورة هذه الحطمة ؛ في قوله تعالى “نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ” ؛ وهي إشارة لتلك النار الشديدة التي أعدّها الله سبحانه وتعالى لعقاب العصاة ؛ كما أن الآية تؤكد أن تلك النار موقدة أي أنها لا تنطفئ أبدًا .ثم يزداد وصف تلك النيران في قوله تعالى ” الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ “؛ أي أنها تصل إلى جوف الانسان فتحرق قلبه ؛ والذي يُعتبر أكثر جزء يعاني من الألم داخل الجسد ، وهناك تفسير آخر يقول أنه ربما يُقصد بالإطلاع على الأفئدة هو معرفة ما تُكنه الصدور ؛ فتميز بين المُطيعين والعصاة .ويقول الله تعالى في الآية الثامنة ” إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ “؛ أي أن تلك النيران مُطبقة على هؤلاء العصاة ؛ حتى لا يستطيعون الخروج منها مُطلقًا ، ثم يصف الله سبحانه وتعالى شدة ذلك الإطباق في قوله تعالى بالآية الأخيرة ” فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ” ؛ ومن التفسيرات الواردة لهذه الآية أنه تم تدعيمها بأوتاد حديدية كي لا تُفتح عليهم ؛ وهو وصف لشدة أهوال ذلك العذاب الذي يُصيب المذنبين والعصاة .