حمل أنبياء الله ورسله الرسالات السماوية بكل عزم وإيمان ؛ ومضوا في كنف الرحمن داعين إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالي وعدم الشرك به ؛ وتحملوا الكثير من المشاق في سبيل الدعوة ، وقد حمل عيسى عليه السلام رسالته وأقام أمور الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بكل صبر وإيمان ؛ وهناك مَن صدقّه ونصره ؛ وهناك مَن كذّب وسعى محاربًا الدعوة.الجماعات التي آمنت بالله ونصرت نبي الله عيسى عليه السلام وأخلصوا إليه أُطلق عليهم اسم “الحواريين” ؛ وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم عدة مرات ؛ ومن بين الآيات التي ذُكروا فيها قوله تعالى:{ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدا مِنَ الْعَالَمِينَ } [المائدة: 112-115] .وورد في تفسير تلك الآيات أن الله أمر نبيه عيسى بأن يخبر الحواريين بأنهم وجب عليهم الصوم لمدة ثلاثين يومًا كاملة ؛ وبعد أن أتموا الصوم ؛ طلبوا من عيسى عليه السلام أن يطلب لهم من الله سبحانه وتعالى أن يُنزل عليهم مائدة من السماء لكي يطمئنوا أن الله تقبل صيامهم ؛ فيفرحون ويأكلون من تلك المائدة ؛ وتكون لهم عيدًا .كان نبي الله عيسى يخشى على قومه من عدم الشكر ؛ لذلك قام بوعظهم ونُصحهم قبل أن يطلب المائدة ؛ وما زادهم ذلك إلا إلحاحًا في طلب تلك المائدة ؛ مما جعل نبي الله عيسى عليه السلام يتضرع إلى الله في طلب المائدة .استجاب الله تعالى إلى دعاء نبيه عيسى وأنزل مائدة من السماء ؛ وكان الناس واقفين ينظرون إلى تلك المائدة التي كانت تنحدر أثناء نزولها بين غمامتين ، وبينما كانت تقترب من الأرض كان نبي الله عيسى عليه السلام يدعو الله تعالى أن يجعلها رحمة وسلامًا وبركًة لقومه ؛ وألا تكون نقمة عليهم .استقرت المائدة بين يدي عيسى عليه السلام ؛ فتسلمها قائلًا بسم الله خير الرازقين ؛ وحينما كشفها وجد بها العديد من الأطعمة الشهية والفواكه ؛ كما كانت لها رائحة طيبة مميزة ؛ فأمر عيسى الفقراء والمرضى بالأكل من تلك المائدة ، وقيل أنه قد شُفي هؤلاء المرضى وأصحاب العاهات ؛ كما أغنى الله الفقراء الذين أكلوا من تلك المائدة ؛ فندم القوم الذين لم يأكلوا منها ؛ حيث رأوا مدى الخير الذي حلّ بالأشخاص الذي طعموا من خيرات المائدة السماوية .صعدت المائدة في ذلك اليوم الذي نزلت به ؛ فكان الناس ينظرون إليها وهي تبتعد عن الأنظار ، وقيل أنها كانت تنزل إليهم كل يوم مرة واحدة ليأكل منها الناس ، وكان آخر مَن يأكل كأول شخص أكل ؛ حيث كانت المائدة مليئة بالخيرات التي وهبها الله للمؤمنين من قوم نبيه عيسى عليه السلام ، وقيل أيضًا أن عدد الذين كانوا يأكلون يوميًا من المائدة بلغ السبعة آلاف شخص .بعد أن منح الله قوم عيسى تلك المائدة وتنعموا بها ؛ صدر الأمر الإلهي بأن تقتصر تلك المائدة على إطعام الفقراء والمساكين ؛ وكان ذلك الأمر صعب وشاق على النفوس ؛ مما جعل المنافقون يتحدثون في ذلك الأمر ، وقيل أن الله سخط هؤلاء المنافقين المتحدثين بأمر المائدة على هيئة خنازير.لقد وردت قصة مائدة عيسى عليه السلام في سورة المائدة ؛ وقد سُميت سورة المائدة نسبةً إلى مائدة نبي الله عيسى بعد أن دعا ربه مُتضرعًا لإنزال المائدة على قومه كي تصبح لهم عيدًا يوم فطرهم بعد الصيام الذي دام ثلاثين يومًا ، وكانت تلك المائدة معجزة من معجزات الله عزّ وجل في عهد نبيه عيسى عليه السلام .