في سنة 51 للهجرة النبوية الشريفة مضى الصحابي الجليل الربيع بن زياد على رأس جيشه ليغزوا في سبيل الله ومعه غلامه الشجاع فروخ حتى يرفع رايات التوحيد فوق بلاد ما وراء النهرين وعندما بدأ القتال أظهر غلامه صورًا من البسالة وانتهت المعركة بنصر المسلمين فكافئ القائد غلامه واعتق رقبته وقسم له نصيبه من الغنائم وعاد الفتى الشجاع إلى المدينة المنورة يحمل معه سهمه من الغنائم وحريته وكان يبلغ الثلاثين من عمره .فاشترى منزل في المدينة المنورة وتزوج من فتاة راجحة العقل تقاربه في السن وبعد أشهر من الزواج لم يتغلب فروخ عن حنين الفارس للجهاد في سبيل الله فأعلن عزمه على الذهاب إلى ميادين القتال ولما أخبر زوجته قالت له لمن تتركني وتترك الجنين الذي في أحشائي فرد عليها قائلًا أتركك لله ورسوله ثم إني تركت لك 30 ألف دينار فصونيها وأنفقي منها على نفسك وولدك بالمعروف حتى أعود أو يرزقني الله تعالى الشهادة .ثم وعدها ومضى وبعد رحيل زوجها بعدة أشهر وضعت الزوجة غلامًا جميلًا أطلقت عليه اسم ربيعة وعندما بدت على ربيعة علامات النجابة أسلمته أمه إلى المعلمين فأتقن الكتابة والقراءة ثم حفظ كتاب الله تعالى وما تيسر من حديث الرسول صلّ الله عليه وسلم وأغدقت أم ربيعة على معلميه المال وكانت تترقب عودة أبيه ولكنه طالت غيبته ، ومضت الأعوام ، وأقبل ربيعة على حلقات العلم ، ولزم البقية الصالحة من الصحابة رضوان الله عليهم ، على رأسهم الصحابي الجليل أنس بن مالك حتى ارتفع ذكره وكثر تلاميذه وأصبح عالم المدينة .وذات يوم بلغ المدينة المنورة فارس كان في الستين من عمره قاصد داره وكان يسأل نفسه عن زوجته وعن جنينها أوضعته ذكر أم أنثى أحي هو أم ميت وفكر في المبلغ الكبير الذي جمعه من غنائم الجهاد وتركه وديعةعندها وبينما هو يفكر وجد نفسه فجأة أمام داره ومن فرحته دخل الدار من دون استأذن أهلها فشعر به ربيعة ورأى رجل يقتحم عليه داره وفجاء إليه وتشاجر معه وارتفع ضجيج الرجلين وتتدفق الجيران على البيت ، فقال ربيعة للرجل ولله لا أطلقك يا عدو الله إلا عند الوالي ، فقال الرجل ما أنا بعدو الله ولم أرتكب ذنبًا إنما هو بيتي وجدت بابه مفتوحًا فدخلته ثم التفت للقوم وقال يا قوم أنا فروخ الذي غادر منذ ثلاثين عامًا مجاهدًا في سبيل الله .وكانت زوجته نائمة فاستيقظت على هذا الصوت ورأت زوجها فكادت الدهشة تعقد لسانها ولكنها تماسكت ثم قالت لابنها دعوه يا ولدي أنه أباك وفي هذه اللحظة أقبل فروخ على ربيعة يعانقه ويضمه إليه ، وأقبل عليه ربيعة يقبل يديه ورأسه وجلس الرجل إلى زوجته يحدثها عن أحواله ولكنها كانت تقول في نفسها ماذا لو سألني عن المبلغ الكبير الذي تركه أمانة عندي لقد أنفقته على تربية ابنه وتعليمه وبينما كانت تفكر قال زوجها لقد جئتك ب4 ألاف دينار فأخرج المال الذي أودعته عندك لنضم إليه هذا ونشتري بالمال كله بستان نعيش فيه ، فقالت لقد وضعت المال حيث يجب أن يوضع وسوف أخرجه لك بعد أيام قليلة إن شاء الله وقطع صوت المؤذن عليهما حديثها فتوضأ ثم مضى مسرعًا نحو الباب .وهو يقول أين ربيعة فقالت له لقد سبقك إلى المسجد وبعد الصلاة هم بمغادرة المسجد ولكنه وجد باحة المسجد قد امتلأت بالشيوخ والشباب لمجلس علم لم يشهد له نظير ورأى الناس لم يتركوا في الساحة موطأ لقدم يحفظون ما يقوله الشيخ في دفاترهم وحاول أن يتبين صورة الشيخ فلم يفلح لبعده عنه وبعد أن ختم الشيخ مجلسه هب الناس متجهين نحوه حتى يودعوه وهنا قال لرجل كان يجلس جانبه وسأله قولي بربك من الشيخ فقال أنه سيد من سادات التابعين وهو إمام المدينة المنورة رغم حداثة عمره .وإن مجلسه يضم كما رأيت مالك بن أنس وأبا حنيفة النعمان وغيرهم إنه ربيعة الرأي اسمه ربيعة ولكن علماء المدينة دعوه بربيعة الرأي لأنهم كانوا إذا لم يجدوا لقضية نصًا في كتاب الله أو حديث رسول الله صلّ الله عليه وسلم لجئوا إليه ، واسمه الحقيقي ربيعة بن فروخ لقد ولد بعد أن غادر أبوه المدينة مجاهدًا في سبيل الله فتولت أمه تربيته وعند ذلك بكى فروخ وأسرع نحو بيته ولما رأته أم ربيعة وسألت عن حاله وفقال لها لقد رأيت والدنا ربيعة في مقام من العلم ما رأيته لأحد من قبل فقالت الزوجة أيهما أحب إليك 30 ألف دينار أم الذي بلغه ولدك من العلم فقال ولله هذا أفضل عندي وأحب إلي من مال الدنيا كله فقالت لقد أنفقت ما تركته عندي عليه فهل طابت نفسك بما فعلت فقال لها نعم وجزيت عني وعنه وعن المسلمين خير الجزاء ..