كان الحاج عبد الصمد يملك منزلًا كبيرًا مكونًا من ثلاثة طوابق ، وتتقدم المنزل عدة درجات سلم تصل إلى ستة أو أكثر ، وكان الحاج عبد الصمد يسكن في مدينة أخرى ، ويأتي هو وأسرته لقضاء العطلة الصيفية في تلك المدينة ، فيسكن هو وأسرته الكبيرة في ذلك المنزل وكان يرحل قبل فصل الشتاء .عند رحيله يتخذ شباب الحي أعتاب المنزل كمجلس لهم للتسامر بأصوات صاخبة حتى منتصف الليل ، وكان من بين هؤلاء الشباب فتى في الخامس والعشرين من عمره نحيف البنية يدعونه النحيل ، وكان النحيل لا يغيب عن الدرب إلا عندما تحضر عائلات أصحاب ذلك المنزل.كان ذلك الفتى النحيل قد هجر قريته ، وأتى إلى تلك المدينة بحثًا عن عمل ، يدبر به حاله ويوفر المال لأسرته التي كانت تعاني من فقر شديد ، ولكن تنقل من مكان لآخر وحصل على بعض الأعمال فيها لكن لم يستمر فيها لأسباب لا يعلمها أحد ، وأنتهى به المطاف إلى الانضمام لتلك المجموعة من الشباب ، وكان يواظب على جلساتهم عند أعتاب منزل الحاج عبد الصمد .وذات يوم كان الفتى النحيل يجلس على أعتاب منزل السيد عبد الصمد في أحد أيام الشتاء القاسية ، وخلي الدرب من الناس إلا منه هو ، وإذ به فوجئ بشخص يدخل من مدخل الدرب وفي يده حقيبة كبيرة الحجم ، قد يكون نزل من سيارة أجرة ولكنه لم يسمع صوت محرك ، وأقبل شخص نحو الدرب ولما وصل عنده ألقى عليه التحية ، ووقف الفتى النحيل ينظر له ويستحضر صورة ذلك الشخص ، وإذ هو الحاج عبد الصمد صاحب المنزل فنهض من أمام عتبة الباب وسار سريعًا .أخرج الرجل من جيب معطفه عدة مفاتيح وراح يجرب واحد تلو الآخر ، حتى تمكن من فتح الباب ، فأدخل حقيبته ثم تخطى العتبة ، وسمع الباب يغلق وعم السكون الدرب ، ولعل الفتى النحيل تسائل عن سر قدوم الحاج عبد الصمد في تلك الفترة الغير معتادة من السنة ، ومضى الحاج عبد الصمد إلى غرفته ونزع حذائه ، وأستلقى على السرير ثم سريعا نام .استيقظ الحاج عبد الصمد متأخرًا ، وخرج لتناول قهوته على القهوة الموجودة في نهاية الحي ، وتناول الفطور حيث لم يكن لديه في المنزل ما يتناوله من طعام ، ولم يعد الحاج عبد الصمد إلى منزله تلك الليلة إلا في ساعة متأخرة ، وعند عودته ليلًا وفي مدخل الباب لاحظ وجود مجموعة من الشباب ، لكن لم يكن لديهم ذلك الفتى الذي يلقب بالنحيلألقى عليهم السلام فردوا التحية ونهضوا مفسحين له الطريق ، ولم يعد الشباب إلى عتبة دار الحج عبد الصمد ومضى كل منهم إلى حال سبيله ، وكان كلهم قد استغربوا غياب الفتى النحيل ذلك المساء ، وفي حدود الثانية صباحًا سمع الحاج عبد الصمد وقع خطوات على سطح منزله ، وعندما أرهف السمع ثبت له أن هناك شخص واحد على الأقل من غرفته .تقدم نحو الطابق الأعلى وكان يتحرك في الظلام ، ويحرص على آلا يُحدث صوتًا ثم سمع وقع خطوات تنزل السلم ، وقف الحاج عبد الصمد خلف الباب ، ثم أحس بذلك الشخص يمسك بمقبض الباب يريد أن يفتحه ، فدخل الحاج عبد الصمد غرفته وقد أحتفظ بعصا سميكة تعود لوالده ، وتحسس المكان حتى وجدها .أمسك بها بإحكام وسار إلى الباب ، وحسم أمره بأن ما أن يفتح الباب حتى يهوي على من فتحه بكل ما لديه من قوة ، وفجأة أنفتح الباب فحبس الحاج عبد الصمد أنفاسه ، وأحس بتعرق كف يده المُمسك بالعصا ، ثم هوي عليه بالعصا ، فوقع المتسلل أرضًا .وأنار الحاج المكان ، وتحسس الواقع على الأرض لكنه مازال يتنفس ، فمضي الحاج عبد الصمد إلى المطبخ ، وأحضر حبلًا قد قيده به ، وتأمل وجهه وتذكره وإذ به ذلك الفتى النحيل الذي قابله يوم قدومه على عتبة منزله .مرت نصف ساعة ثم سمع الحاج عبد الصمد ذلك الفتى يأن وينادي الحاج عبد الصمد باسمه ، ويقسم له بأن يتركه يعود إلى أسرته ، لكن أدرك الحاج عبد الصمد إنها محاولة منه للهرب ، فتركه مقيدًا .وفي الصباح أبلغ الشرطة بما حدث ، وأعترف ذلك الفتى إنه اقتفى أثر الحاج عبد الصمد عند وصوله ، وتابعه وقد وجده يسحب مبلغًا ماليًا كبيرًا ، فوضع عيناه لسرقة ذلك المبلغ ليوفر لأسرته المال الذي تعذر عن توفيره من العمل .