كان الوقت متأخر وغادر الجميع المقهى ، ماعدا رجل عجوز جلس في الظل ، كان الشارع مغبرًا في النهار ، لكن الندي ثبت الغبار في الليل فكان العجوز يحب الجلوس إلى ساعة متأخرة منه ، لأنه كان أصم وكان الليل في هذه الساعة من الليل هادئ ، مما يجعله يحس بالفرق ، كان النادلان داخل المقهى يعرفان بأن الرجل العجوز كان ثملاً قليلاً ، كما كانا يعرفان بأنه سيغادر المقهى دون أن يدفع الحساب إنّ هو سكر تمامًا ، بالرغم من أنه كان زبونًا جيدًا ، فاستمرا في مراقبته .نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع الأدب الأميركي ، للكاتب الأديب ايرنست همنجواي ، ولد عام 1899م ، في أوك بارك – إلينوي وبدأ الكتابه حينما كان في المدرسة الثانوية عام 1917م ، وعاش في باريس كعبة أدباء وفنانين العالم بشكل عام ، وأدباء وفناني أمريكا بوجه خاص ، أصدر له أول كتاب في عام 1922م بعنوان ثلاث قصص وعشر قصائد وقد منح جائزة نوبل للآداب عام 1954م .نادلي المقهى :
قال أحد النادلين : حاول الانتحار في الأسبوع الماضي ، قال الآخر : لماذا ؟ ، أجاب : كان بائسًا ، قال : مم ؟ ، أجاب : لاشيء ، قال : وكيف عرفت أنه لا شيء، أجاب : لأن لديه الكثير من المال .جلسا معًا على طاولة ملاصقة للحائط قرب باب المقهى ، ونظرا إلى الشرفة حيث كانت الطاولات فارغة ، ماعدا الطاولة التي جلس عليها ، الرجل العجوز في ظلال أوراق الشجرة ، التي كانت تتحرك مع الريح ، مرت فتاة وجندي في الشارع ، فتلألأ الضوء على الرقم النحاسي المثبت على ياقته ، ولم تكن الفتاة تضع غطاء على رأسها وكانت تسير مسرعة إلى جانبه .ليته قتل نفسه في الأسبوع الماضي :
قال أحد النادلين : سيمسك به الحرس ، فأجاب الآخر : ماذا يهمه إن هو نال ما يبحث عنه ؟ ، يحسن به أن يغادر الشارع الآن ، سيقبض عليه الحرس ، لقد مروا من هنا قبل خمس دقائق .نقر الرجل العجوز الجالس الكأس على طبق الفنجان ، فاقترب منه النادل الصغير ، وقال : ماذا تريد ، أجاب : كأس براندي أخرى ، قال النادل : ستسكر ، نظر اليه العجوز فابتعد النادل ، قال لزميله : سيقضي الليل كله هنا ، أنا نعسان الآن ، وأنا لا آوي إلى الفراش قبل الساعة الثالثة ، ليته قتل نفسه في الأسبوع الماضي ، أخذ النادل قنينة البراندي وصحن آخر ، وسار نحو طاولة العجوز .وضع الصحن وملأ الكأس بالبراندي تمامًا ، قال الرجل الأصم : كان يجب أن تقتل نفسك في الأسبوع الماضي ، أشار الرجل العجوز بإصبعه ، وقال : زيادة قليلاً ، صب النادل في الكأس حتى انقلب البراندي وجرى حتى أسفل ساق الكأس ، قال العجوز : شكرًا ، أعاد النادل القنينة إلى داخل المقهى ، ثم عاد وجلس إلى الطاولة مع زميله .الرجل العجوز النظيف :
قال : انه سكران الآن ، أجاب الآخر : إنه سكران كل ليلة ، قال : لماذا أراد قتل نفسه ؟ ، أجاب : لا أعلم ، قال : كيف فعل هذا ، أجاب : شنق نفسه بحبل ، قال : من أنقذه وأسعفه ، أجاب الآخر : ابنة أخيه ، قال : لماذا فعلوا ؟ ، أجاب : خوفًا على روحه ، قال : كم لديه من مال ؟، أجاب : لديه الكثير جدًا ، قال : لابد أنه في الثمانين من عمره ؟ ، لابد أن أقول أنه في الثمانين على أية حال .ليته يعود إلى بيته ، أنا آوي إلى الفراش قبل الثالثة ، يا لها من ساعة تأوى فيها إلى الفراش ؟ ، يبقى مستيقظًا لأنه يحب هذا ، هو وحيد ، أنا لست كذلك ، عندي زوجة تنتظرني ، كان له زوجة ذات يوم ، لن تكون أي زوجة نافعة له الآن ، لا يمكنك قول هذا ، من الممكن أن يكون في حال أفضل مع زوجة ، ابنة أخيه ترعاه ! نعم لقد قلت بأنها قطعت الحبل وأنقذته ، لا أود ن أبلغ ذلك العمر ، الرجل العجوز شيء سيء ، ليس دائمًا فهذا العجوز نظيف ، يشرب دون أن يدلق الخمر ، حتى الآن وهو سكران انظر إليه .. لا أريد النظر إليه ، أريد العودة إلى منزلي ، إنه لا يبالي بالنادلين .انصراف العجوز :
رفع العجوز نظره ، وطلب من النادل كأس براندي آخر ، قال له النادل المستعجل : لا زيادة الليلة ، اقفال الآن ، قال العجوز : كأس أخرى ، قال له النادل : لا ثم مسح بفوطة حافة الطاولة وهز رأسه ، نهض العجوز واقفًا ، وعدّ الصحون ببطء ثم أخرج محفظة نقود من جيبه ، ودفع ثمن مشروباته تاركًا نصف بيزيتا إكرامية .عندك مثلي كل شيء :
راقبه النادل وهو ينحدر مع الشارع ، رجلاً بلغ أرذل العمر يمشي مترنحًا ، لكن بوقار ، سأله النادل غير المتعجل : لما لم تتركه يشرب ؟ لم تبلغ الثانية والنصف بعد ، كنا يغلقان مصاريع النوافذ والأبواب ، قال : أريد أن أعود إلى البيت .فأجاب الآخر : وما قيمة ساعة ، أجاب : أهم إليّ مما بالنسبة إليه ، قال النادل المستعجل وهو يقفل المصاريع المعدنية : عندي شباب ، ولابد أن أعود إلى البيت وإلى زوجتي ، قال النادل كبير لسن : عندك عمل وشباب وثقة ، عندك كل شيء ، فقال الآخر : وأنت عندك مثلي كل شيء ، قال الآخر : لا ليس عندي ثقة ولست شابًا ، أجابه : هيا كف عن الكلام الفارغ وأقفل المحل .قال النادل كبير السن : أنا واحد من أولئك الذين يحبون البقاء في المقهى لساعة متأخرة ، مع كل هؤلاء الذين لا يريدون أن يأووا إلى الفراش ، ويحتاجون نور الليل ، نحن من نوعين مختلفين .مكان نظيف جيد الإضاءة :
كان قد غير ملابسه للعودة إلى البيت ، ليس المسألة مسألة شباب وثقة فقط ، مع أن ذينك الشيئين جميلين ، ففي كل ليلة أتردد في قفل المحل ، فقد يكون شخص بحاجة إلى مقهى ، يا فتي ثمة خمارات تظل مفتوحة طوال الليل ، أنت لا تفهم هذا مقهى نظيف مبهج ، جيد الإضاءة ، النور فيه جيد جدًا ، وهناك ظلال أوراق الشجر الآن ، قال النادل الصغير : تصبح على خير ، أجابه الاخر : تصبح على خير .أخيرًا مع طلوع النهار :
استمر في الحديث مع نفسه ، وهو يطفئ الكهرباء ، إنه النور طبعًا ، لكن لابد أن يكون المكان مبهج ونظيف ، وخرج أنه يكره الحانات والخمارات ، أنه مقهى نظيف جيد الاضاءة شيء يختلف عنها اختلافًا كبيرًا ، سيمضي الآن عائدًا إلى بيته ثم إلى غرفته دون أن يفكر ، أكثر مما يفكر ، سيمدد على السرير ثم يستغرق في النوم ، أخيرًا مع طلوع النهار ، قال لنفسه : مع هذا كله ، ربما يكون هذا مجرد أرق فقط ، لابد أن الكثيرين يعانون منه .