قام الكاتب الفرنسي لويس فرديناند سيلين بكتابة رواية “سفر إلى آخر الليل” وهو في سن الثامنة والثلاثين من عمره ، وقد وُلد الكاتب في ضاحية كوريفوا عام 1894م ، وكان معروفًا باسم “ديتوش” ، لكنه حينما دخل الحياة الأدبية قرر أن يقوم باستعارة اسم سيلين من واحدة من قريباته كي يكون هو الواجهة الأدبية التي يُعرف بها .وقام بدراسة علم الطب ، ثم وجد أن لديه الكثير من الخبرات التي يمكنه أن يرويها ، وعُرف بموقفه الفاشي من خلال أفكاره ؛ حيث كان واقفًا إلى الجانب الألماني حينما قامت ألمانيا باحتلال فرنسا في أوائل الحرب العالمية الثانية ، لذلك عاش وحيدًا موصوفًا بالجنون بعد انقضاء الحرب ؛ حتى مات عام 1961م ؛ ولكنه ظل أديبًا له وزنه الأدبي المتميز .حول رواية “سفر إلى آخر الليل” بالفرنسية ” Voyage au bout de la nuit :
تُعد أول عمل روائي طويل يقوم سيلين بنشره خلال رحلته الأدبية ، ونُشرت خلال عام 1932م ، وحازت الرواية على جائزة “رينودو” ، استوحى الكاتب أحداث الرواية من القصص التي عاشها في حياته ؛ وبعض ذكرياته خلال فترة الحرب العالمية الأولى .قام سيلين بإضافة معلوماته التي يعرفها عن القارة الإفريقية إلى الرواية ، وكان قد اكتشف حديثًا المساوئ الخاصة “بالكولونيالية” ، كما قام بإضافة وجهة نظره عن الولايات المتحدة الأمريكية ؛ والتي كان يرى أنها حققت انتصارات هائلة في الرأسمالية ومسيرة العمل ، وأضفى على الرواية أيضًا طابع تجربته العملية الخاصة كطبيب يعمل في الضواحي المختلفة .لم تكن تلك هي التجربة الأولى لسيلين التي يستخدم فيها حياته الشخصية كمحور داخل الأحداث الروائية ، غير أن الطابع الشخصي في رواية “سفر إلى آخر الليل” طغى بقوة من خلال أحداثها ؛ حيث قام ببناء الرواية بشكل أساسي اعتمادًا على تجربته الخاصة في العمل ؛ حينما قام بالعمل لفترة داخل القسم الطبي بمندوبية عصبة الأمم المتحدة في ألمانيا ، وكانت تلك الفترة هي التي جعلت موقفه مناصرًا للألمان ؛ غير أنها ظلت لعنة محيطة به داخل وطنه .أوضح في الرواية رحلة الطبيب بعد أن عاد من ألمانيا ؛ حيث اتجه للعمل في ضاحية كليشي بشمال غربي باريس ؛ وكانت الضاحية تُوصف على أنها ضاحية البائسين آنذاك ؛ وهي فترة الربع الأول من القرن العشرين ؛ حيث اكتشف الكاتب هناك مدى الظلم والبؤس ، وذلك ما جعله يرسم صورة واضحة لتلك الحياة القاسية داخل ذلك المجتمع .لم يوضح سيلين أي بارقة أمل من خلال عمله الروائي ، ولكنه قال أن الخلفية التي لم يفهمها أحد داخل الرواية هي الحب ؛ والذي يستمر الحديث عنه على الرغم من كل هذا الجحيم الذي يحيط بالإنسان .قام سيلين بتقسيم الرواية إلى فصول ومشاهد متفاوتة في حجمها وكثافتها ؛ مما جعل هذا التقسيم يبدو نوعًا مُستجدًا على الأدب الفرنسي في تلك الآونة ، ولم يعط هذه الفصول المُقسمة أي أرقام ، وبدأ الفصل الأول من الرواية عشية نشوب الحرب العالمية الأولى ، وجاء الفصل الأخير خلال عام 1928م ؛ أي بعد مرور عشرة أعوام من التوقيع على الاتفاقية التي أنهت حالة الحرب .قام سيلين بدفع بطل الرواية إلى التجول داخل زوايا الأرض ، وتكون الصدف هي القائد الذي يحمله من حدث إلى آخر دون أي تخطيط ؛ حيث ينتقل من جبهة القتال إلى الولايات المتحدة ؛ ثم التفرغ لممارسة مهنته كطبيب ، وكذلك قيامه بأداء بعض الأدوار التافهة داخل إحدى صالات الملاهي ، وقد أحضر سيلين قرينًا للبطل يلتقي به في بعض اللحظات الانعطافية داخل الرواية ، ويموت ذلك القرين في النهاية ؛ والذي كان بمثابة الموت الذي نجا منه البطل الرئيسي ؛ والذي يقوم برواية الأحداث بنفسه .