تزخر الإحساء بالعديد من الوجهاء ، والأعيان الذين كان لهم دورًا رائدًا في تطوير الحركة التجارية والاجتماعية بالمملكة ، وعلى رأسهم التاجر المعروف إبراهيم المهنا رجل الأعمال الخيرية الذي عرف بشفاعاته وخدماته .وكان مجلسه لا يخلو من الحضور ، وكان مقصدًا لكل القادمين إلى الإحساء ، كما كان ديوانًا للأدباء والعلماء والشعراء الذين يفدون للإحساء ؛ لكي يلتقوا بأهل العلم والأدب ، وكان رحمة الله عليه من هواة الشعر وحافظيه ، ناهيك عن دوره الاقتصادي في دعم المشروعات الوطنية البناءة .نشأته :
ولد الشيخ إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الكريم بن مهنا بن سلطان بن حمد بن غيهب عام 1316هـ بمدينة شقراء ، وانتقل مع والده في أواخر القرن الثالث عشر إلى الإحساء في رحلة للتجارة وطلب الرزق ، وتلقى تعليمه في الكتاتيب ، وأتقن القراءة والكتابة ، وكان بارعًا في علم الحساب منذ صغره ، انشغل بالتجارة وهو في سن صغيرة لأنه كان الابن الوحيد لأبيه ؛ فشرب منه فنون الاشتغال بالتجارة ، وأتقن طرقها .كان الشيخ إبراهيم على صلة وثيقة بوزير مالية الإحساء مقبل الذكير ، وبينهما تعامل تجاري ، وحوالات كثيرة ؛ فقد اشتهر الشيخ رحمه الله بالنزاهة والأمانة ، وكان على صلة بشركة أرامكو ؛ التي كانت ترسل عن طريق مكتبه رواتب بعض موظفيها ، وقد اتسعت دائرة علاقات الشيخ إبراهيم بعد ذيوع صيته ، واشتهاره بالأمانة بين الناس .تجارته :
شهدت منطقة الإحساء في منتصف القرن الماضي نوعًا من الرواج التجاري والاقتصادي ، وذلك بسبب وجود ميناء العقير بها ، والذي كان يستقبل السفن التجارية القادمة من الهند ، والكويت ، والعراق ، والبحرين ، وعمان ، وزنجبار وغيرها.وكانت تجارة الشيخ المهنا من التجارات الرائجة حينها ؛ فقد كان يتاجر في المواد التموينية كالأرز والحبوب والتمر ، بالإضافة إلى تجارة الأقمشة والقهوة والبهارات ، وغيرها مما يلبي حاجة قاطني الإحساء ، وما حولها.استضافته لرواد الإحساء :
حافظ الشيخ إبراهيم المهنا على إرثه من أبيه ، وتجارته الرائجة ، وسمعته التي انتشرت في أرجاء المملكة حتى استطاع أن يحصل على ثقة المنافسين قبل الأصدقاء ، وقد كان للشيخ مكانة اجتماعية مرموقة ، فقد كان على علاقة بالأمراء والوجهاء من أعيان المملكة.وكان رحمة الله مضيافا كريمًا يطلب من أهل بيته إعداد الطعام ، والموائد للضيوف القادمين إلى الإحساء ، والمسافرين حتى يقدمها لهم بمزرعته ، ولم يكتفي بذلك فقد أنشأ قصرًا للضيافة ؛ لكثرة الضيوف التي ترد عليها ، وكان من زواره الملك سعود ، والملك فيصل رحمهما الله رحمة واسعة ، وكان المهنا يسعى دائمًا لتذليل أى صعوبات تواجههم ، وما من مرة قصده شخص ، وصده ؛ فقد كان نبيلًا يكرم الغريب قبل القريب.مساهماته الوطنية :
لم تكن التجارة وحدها هي وجهة الشيخ إبراهيم ، فقد كان يشارك في كل ما يدر على البلاد نفعًا ، حيث كان رحمه الله أحد أعضاء مجلس معارف الإحساء الأول ، كما شغل منصب أمين الصندوق لخبرته بالحساب وثقة المسئولين فيه.واشترك في لجنة مساعدة التعليم ، فكان يتولى الإشراف على دفع رواتب المعلمين ، وتيسير وجود الكتب للطلاب ، ودعم الطلاب المحتاجين ، وتعد كل هذه الأدوار التي لعبها الشيخ أدوار مجانية ؛ فهي عمل تطوعي منه لنصرة التعليم في المملكة.في منتصف عام 1373هـ رفع مع بعض أعيان المنطقة للمسئولين طلبًا بضرورة تخفيف العبء عن المزارعين ، وإسقاط الديون عنهم ؛ تشجيعًا لهم ، وتخفيفًا عليهم ، واستجاب لهم الملك فيصل رحمه الله في برقية نصها (نقدر لكم خالص تمنياتكم بمناسبة ما أمرنا به من إعفاءات وتخفيضات وهذا من فضل الله علينا إذ وفقنا لعمل ما فيه مصلحة مواطنينا).وقد كان له دورًا بارزًا في حفظ أموال سلفة المزارعين ، فكانت المبالغ تحفظ عنده ، ثم تصرف للمزارعين حسب توجيهات الهيئة ، وكان رحمه الله أيضا عضوًا في تأسيس شركة كهرباء الإحساء عام 1371هـ ، وقد رشحه الأمير سعود بن جلوي أمير المنطقة الشرقية ؛ ليكون عضوًا بالغرفة الصناعية بالمنطقة الشرقية ، كما أنه جمع التبرعات وأسس مستشفي قدمه احتفاءً بعودة الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه-من مصر عام1367 هـ.وفاته :
انتقل الشيخ إبراهيم المهنا إلى رحمة بارئه حينما ناهز الثمانين من عمره بمستشفي لندن عام 1397هـ ، بعد أن تكاثرت عليه العلل ، وأمراض الشيخوخة ، وعاد للمملكة لكي يدفن في ثراها ، وتم نقله إلى الرياض والصلاة عليه بجامع المطار القديم ، وبعدها نقل للإحساء ، وصلى عليه بجامع الإمام فيصل بن تركي بالهفوف ، ودفن بالصالحية تاركًا ورائه تاريخا عريقًا لرجل قلما جاد الزمان بمثله.