زخرت المملكة في القرن المنصرم بالعديد من العلماء والمشايخ ، وطلبة العلم الذين أحيوا العلوم الشرعية في أروقة المدارس والمساجد ، وتتلمذ على يدهم العديد من الطلاب الذين ساهموا في نشر الحركة العلمية ، ونهضة التعليم في المملكة .وكان من بين الرواد الأوائل الذين ظهروا في ذلك القرن : المربي الفاضل وأحد رواد الحركة العلمية في المملكة آنذاك أحمد بن علي بن أسد الله بن علي بن أحمد بن علي الكاظمي ، والذي حمل على عاتقه مهمة التنوير والتثقيف ، ونشر التعليم في أرجاء الوطن.النشأة والولادة :
ولد الشيخ أحمد بن علي الكاظمي بمكة المكرمة عام 1225هـ ، ودرس مع أخويه بالمدرسة الصولتية عام 1333هـ ، وعند قيام الحرب العالمية الأولى ، وقيام الشريف حسين بالثورة على محاولات تتريك العرب والتي انطلقت من اسطنبول على يد جمعية الاتحاد والترقي ، والتي سيطرت على سدة الحكم ؛ حدثت العديد من الصراعات السياسية التي نتج عنها غلق العديد من المدارس .فلجأ الطلاب إلى التدريس المنزلي ، وكان من بين هؤلاء أحمد الكاظمي وأخوته ، فقد لجئوا لبيت أبيهم ينهلون منه العلم والمعرفة ، فقد كان معينه لا ينضب حيث درسوا على يده القرآن الكريم واللغة العربية ، ومبادئ الفارسية .ولجأ الشيخ أحمد الكاظمي إلى الشيخ مظهر حسين لينهل من علمه في الحديث والنحو والصرف ، أما الشاعر الحجازي عبد المحسن الصحاف ، فقد نهل من فيضه كل ما يخص المسائل الأدبية ، وقد كان صديقًا مقربًا لوالده ، وتتلمذ الأبناء على يده.مشواره العلمي :
التحق الشيخ أحمد الكاظمي بالمعهد الإسلامي السعودي عام 1344 هـ ، ودرس به سنة كاملة قبل إغلاقه ، وبعدها انتقل للمدرسة الابتدائية بالمسعى ، ومع عودة نشاط المعهد مرة أخرى ، عاد للانضمام إليه عام 1347هـ وتخرج منه في العام 1349هـ ، وكان ضمن أول دفعة من خريجي هذا المعهد ، وهو الأمر الذي ساعده على مزاولة التدريس خاصة بعد إجازة أساتذته له .ورغم رغبة الشيخ في إكمال مشواره التعليمي ، إلا أنه استجاب لمقترح أحد أساتذته وقام بالتدريس في مدرسة المسعى الابتدائية كمدرس تحت التجربة ، وكان في أوقات الفراغ يستكمل دراسته بحلقات الحرم المكي الشريف ، بالإضافة إلى دراسته لبعض العلوم العصرية كاللغة الانجليزية وعلوم الجبر والهندسة ، وكان يدرس كل مادة على يد أحد أساتذتها في مكة حيث كان يزورهم في منازلهم.مدرسة الأنجال :
في عام 1356هـ تم تعيينه أستاذًا بمدرسة أنجال الملك عبدالعزيز ، وقد رشحه لذلك الشيخ عبد الله عبد الغني خياط رفيق دربه للتدريس في مدرسة الأمراء ، وفي عام 1356هـ تمت ترقية الشيخ إلى وظيفة معاون مدير مدرسة الأمراء لمدة 18 عامًا ، وفي عام 1357هـ تزوج الشيخ من فاطمة بنت الشيخ محمد عبد الرازق إمام الحرم المكي الشريف وأنجب منها ولدان وستة من البنات .ثم انتقل الشيخ للعمل بوزارة المعارف على درجة مفتش فني ، ثم انتقل بعد ذلك لقسم الترجمة ثم مساعدًا لمدير كلية المعلمين التي كان يديرها آنذاك الشيخ عبد الله الساسي ، وبعدها تدرج في الوظائف وعين عميدًا لكلية الشريعة حتى عام 1385هـ إلى أن أصبح كبيرًا للمفتشين بوزارة المعارف ثم أحيل للتقاعد عام 1388هـ.ونظرا لخدماته الجليلة في مجال التعليم صدر قرار بتمديد فترة عمله لمدة خمس سنوات ، وفي عام 1396هـ تم انتدابه من قبل وزير التعليم العالي الشيخ حسن ابن عبد الله آل شيخ رحمه الله للعمل بجامعة الملك عبدالعزيز فرع مكة المكرمة (جامعة أم القرى حاليًا) ، وعمل مستشارًا بمركز البحوث التابع لكلية الشريعة بمكة المكرمة ، واستمر عمله كمستشارً للجامعة حتى عام 1402 هـ.الموروث العلمي :
كان للشيخ أحمد الكاظمي رحمه الله مكتبة ضخمة تحوي بين جنابتها ما يزيد عن 8 ألاف كتاب ودورية ، وقد وضعها بملحق في منزله بمكة المكرمة ، وبعد وفاته قام أبناءه بمبادرة لإهداء كل تلك الكنوز لمكتبة جامعة أم القرى وذلك في أواخر محرم عام 1416هـ .وقد كان للشيخ الكاظمي العديد من الكتابات في الصحف المختلفة كصحيفة المدينة المنورة والندوة وعكاظ واليمامة والرياض ، وكان الكاظمي أحد أكبر المترجمين في المملكة آنذاك لاسيما بعد ترجمته كتاب البلاد السعودية للمستشرق توتشل.الوفاة والرحيل :
بعد سلسلة من العطاء رحل الشيخ أحمد الكاظمي عن أهله وأبنائه عام 1413هـ عن عمر يناهز الـ 88 عامًا ، ودفن بمقابر المعلاة بمكة المكرمة ، وقد افتقدته المملكة كثيرًا لأنه كان رجلًا حسن السيرة والخلق ، لم يغضب ربه ولم يؤذ أحد من خلقه.