قصة السلطانة قُسم

منذ #قصص نجاح

في أروقة قصر أل عثمان نمت الفاتنة اليونانية أنستاسيا واستطاعت أن تحكم قبضتها الناعمة على السلالة ، لتصير هي السلطانة القائدة صاحبة الأمر والنهي التي حكمت لأكثر من ربع قرن متسترة خلف صورة أبنائها مراد وإبراهيم ، ومن بعدهم حفيدها التي أطاحت بها أمه قبل أن تطيح هي بها وبابنها ، إنها السلطانة التي ملكت قلوب العامة بأعمالها الخيرية رغم قسوتها مع أبنائها من أجل اعتلاء العرش .السلطانة قسم التي وصفها المؤرخ التركي يلماز أوزتونا، قائلا : «كانت ذكية إلى درجة استثنائية ، ماكرة ومراوغة ، أستاذة في صنع خطط سياسية ومؤامرات متعددة الوجوه ، مؤثرة ومقنعة في كلامها، كانت تُعنى بإرضاء الشعب ، لذا تركت خلفها مؤسسات خيرية كثيرة العدد إلى درجة لا يستوعبها العقل، ثروتها الضخمة جدًا انتقلت إلى الخزينة العامة للدولة فأنعشتها .من هي السلطانة قسم :
هي ابنة قديس يوناني كان يعيش بجزيرة تينوس ولدت عام 1590م ووقعت في طفولتها بأسر البوسنة ثم أرسلت بعدها ضمن مجموعة من الهدايا لقصر الباب العالي ، حتى وصلت إلى قصر توبكابي ورآها السلطان العثماني أحمد الأول ، فتحولت حياتها من مجرد جارية إلى مفضلة السلطان ثم اعتنقت الإسلام وغيرت اسمها إلى قُسم ، وأطلق عليها السلطان لقب مه بيكر أي وجه القمر وذلك لجمالها الأخاذ .استطاعت قُسم بذكائها وجمالها أن تجعل السلطان أحمد يتحدى والدته السلطانة هاندان وجدته السلطانة الكبرى صفية ويتزوج بها رغم معارضة كلتاهما ، ولم تكتفي بهذا بل أنجبت منه ولدين السلطان مراد الرابع والسلطان إبراهيم ، ومنحها السلطان لقب السلطانة القائدة ليزداد بهذا نفوذها في الحرملك وتصبح من أقوى وأشهر السلطانات وهي فقط في سن الخامسة عشر .فقد كانت تؤثر على زوجها الذي كان يتحدث معها في أمور الدولة ، فكانت توجهه بذكاء لاتخاذ بعض القرارات ، ولكن لأن دوام الحال من المحال تغيرت حياتها حينما فارق السلطان أحمد الحياة في سن صغير فقد مات قبل أن يبلغ الثلاثين ، لذا تم نقلها إلى القصر القديم عام 1617م فقد كان الطبيعي حينها أن يتولى ابن السلطان الأكبر سدة الحكم ، وكان عثمان ابن ضرتها وعدوتها خديجة ماه فيروز آنذاك هو المرشح الأول .ولكن قُسم لم يرق لها الأمر خوفًا على ضياع فرصة ابنها الأمير مراد الرابع في الحكم ، والذي كان لا يزال وقتها طفلًا صغيرًا فهداها ذكاءها للاستعانة بالأمير مصطفى شقيق زوجها وجعله يتولى مقاليد الحكم لفترة استثنائية تستطيع فيها تدبير أمورها ، ولأن الأمير مصطفى كان معروف بخفة عقله وطيشه لم يكن مقنعًا لرجال الدول وهو نفسه كان عازف عن أمور الحكم .ولكنه قبل لإتاحة الوقت أمام السلطانة كي تحسم أمرها مع قادة الجيش المنقسمين حول أحقية أي من أبناء السلطان أحمد بتولي الحكم ، فكان بهذا الأمير مصطفى أول أخ يتولى العرش بعد أخيه في التاريخ العثماني ولكنه لم يستمر سوى ثلاثة أشهر فقط ، واعتلى السلطان عثمان الثاني الابن البكر للسلطان أحمد أمور السلطنة وهو في الثالثة عشر من عمره ، ولكن لم ترضخ السلطانة قسم لما حدث وقامت بشراء ذمم قادة الجيش وتخلصت من والدته عام 1621م حتى لا يصير له سند في الحرملك ، وبالتحالف مع قادة الانكشارية دبرت مؤامرة لاغتياله .فترة حكمها الأولى :
ومرة ثانية عاد السلطان مصطفى إلى سدة الحكم في فترة انتقالية يستعد فيها السلطان مراد إدارة شئون الدولة ، ولكن لم يستطع تيسير أمور الدولة فعمت الاضطرابات والانقسامات ، لذا اتفقت قسم مع الصدر الأعظم وبقية الوزراء على عزل مصطفى وتولية ابنها مراد الرابع الذي كان عمره وقتها 11عامًا ، وبهذا أصبحت السلطانة قسم هي السلطانة الأم ، وتمكنت من إدارة شئون البلاد بصفتها نائبة السلطان .فقامت بعمل إصلاحات كثيرة وبناء الأقبية والجوامع وكان لها باعٌ كبير في عمل الخير إبان فترة نيابتها ، حيث كانت تعتق العبيد بعد خدمتهم لها ثلاث سنوات ، وتزوج الفتيات الصغار وتبني المدارس والحمامات ، وفي عام 1632م انتهت فترة نيابتها التي دامت لتسع سنوات ، بعدها أقصاها ابنها السلطان مراد الرابع من المشهد السياسي وهددها بالنفي إن أصرت على التدخل في أمور الدولة لينفرد وحده بالحكم .وبعدها قام السلطان بالعديد من الإصلاحات وأخذ يضرب بيد من حديد أمور الفوضى والفساد فكان يعدم كل من يخالف أمره ، وقاد جيوشه في العديد من الفتوحات ليستعيد بذلك أمجاد جده سليمان القانوني .ولكن رغبته في السلطة جعلت يفتح فصلًا جديدًا من القمع والظلم ، فحاول التخلص من أخيه إبراهيم ولكن وقفت بوجهه السلطانة قسم ومنعته من القضاء على السلالة خاصة أنه لم ينجب ، وفي عام 1640م توفي السلطان مراد الرابع في سن صغير لم يتخطى الـ 27 من عمره .فترة حكمها الثانية :
وهنا رأت السلطانة قسم أبواب السلطة تفتح لها من جديد ، خاصة حينما تولى ابنها إبراهيم الحكم فقد كان ضعيف الشخصية لديه بعض الاضطرابات النفسية التي لازمته من صغره بسبب مشاهد القتل والدماء التي رأها في القصر ، فأخذت السلطانة تغرق ابنها في نعيم الحرملك ليعبث وسط الجواري ويبتعد عن أمور الدولة وهنا كان الحكم لقمة سائغة في فم السلطانة الأم ، فأخذت تدير أمور الدولة هي بالتحالف مع أغوات وقادة الجيش .ولكن مع مرور الوقت أدرك إبراهيم ألاعيب السلطانة الأم فهددها بالنفي في حال التدخل في شأن الحكم ثانية ، فسول لها طمعها بالسلطة في إزاحة ابنها وشاركت في مؤامرة لعزله عام 1648م ، وسلمته بيدها للجلاد فأعدم بعد عشرة أيام من العزل .فترة حكمها الثالثة :
وبعد موت إبراهيم عادت قسم لسدة الحكم بصفة رسمية كنائبة للسلطان محمد الرابع ابن السلطان إبراهيم من خديجة تارخان مفضلته الأولى ، وكان السلطان محمد حينها طفلًا لم يتجاوز السابعة من عمره ، فأصبحت أمه هي السلطانة الأم ، ورأت في نفسها الطموح والقوة اللذان قواهما مركز ابنها السلطان ، فنشأت بينها وبين السلطانة قسم عداوة استمرت لمدة ثلاث سنوات .اغتيال السلطانة قسم :
قررت بعدها القسم التخلص منها بقتل ابنها محمد الرابع وتولية أخيه الأمير سليمان السلطنة لأن أمه كانت واقعة تحت نفوذها ، ولكن حينما نمى إلى علم السلطانة خديجة ما نوته السلطانة قسم أمرت باغتيالها بمساعدة أغا الحرملك ، فدخل العبيد جناح السلطانة في 3 سبتمبر عام 1651م وقاموا بخنقها لترحل عن بلاط السلطنة في عمر 62 عامًا  وتدفن بجوار قبر زوجها السلطان أحمد الأول ، ولكنها تظل الملكة التي حكمت أقوى مملكة في العالم لمدة 37 عامًا .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك