تعتبر معركة اليرموك واحدة من أهم المعارك في التاريخ الإسلامي ، تلك المعركة التي دارت رحاها بين المسلمين والروم في السنة الثالثة عشر من الهجرة ، فقد كانت بداية موجة من انتصارات المسلمين خارج الجزيرة العربية .
ولقد حدثت تلك المعركة بعد وفاة الرسول صلّ الله عليه وسلم بأربعة أعوام وسميت بهذا الاسم نسبة إلى المكان الذي وقعت فيه وهو في وادي اليرموك بالقرب من نهر اليرموك الموجود بالأردن حاليًا.
أحداث ما قبل المعركة : بعد أن تكبدت جيوش الروم خسائر فادحة مع جيوش الدولة الإسلامية في إقليم الشام ، قرر هرقل الروم أن يعد العدة لمعركة فاصلة يوقف فيها التمدد الإسلامي ، وعلى الجانب الأخر فقد تم اختيار خالد بن الوليد رضي الله عنه ليقود الجيوش ، وصدر الأمر بأن يترك خالد بن الوليد رضي الله عنه العراق ويتوجه إلى الشام ليتسلم القيادة من أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه .
الاستعداد للمعركة : لقد كان قوام جيش المسلمين 36 ألف مقاتل قسمهم خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى وحدات كل وحدة تتكون من ألف مقاتل وعلى رأسها أمير وقسم الوحدات إلى ميمنة وميسرة وقلب .
وقد كان قائد الميمنة هو أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وقائد الميسرة يزيد بن معاوية رضي الله عنه ، وفي القلب كان عمر بن العاص رضي الله عنه ، وعلي الجانب الأخر كان جيش الروم بقيادة باهان وعدد مقاتليهم 240 ألف مقاتل من جميع أنحاء بلاد الروم .
ومن بشائر النصر : حينما اصطف الجيشان خرج أحد قادة جيش الروم ويسمى جرجة بن توذار ليطلب المبارزة فخرج له القائد خالد بن الوليد ، وبدأ جرجة يبارز خالد رضي الله عنه حتى اختلفت أعناق دابتيهما فقال جرجة لخالد رضي الله عنه : يا خالد أصدقني ولا تكذبني يا خالد هل أنزل الله على نبيكم سيفًا من السماء فأعطاك إياه فلا تسله على قوم إلا هزمتهم ؟ فقال سيدنا خالد رضي الله عنه : (لا )، فقال جرجة لما سميت سيف الله ؟ فقال سيدنا خالد رضي الله عنه : لقد حاربت وقاتلت رسول الله صلّ الله عليه وسلم ولكن الله هدانا إلى الحق واتبعنا رسول الله محمدًا ، وحينها قال سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم : أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين .
فقال جرجة إلام تدعوني ؟ فقال سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه : أدعوك إلى شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، فقال جرجة فمن لم يجيبكم ؟ فقال خالد رضي الله عنه نفرض عليه الجزية ، فقال جرجة وإن لم يعطها فقال سيدنا خالد رضي الله عنه نؤذنه بحرب ثم نقاتله .
فقال جرجة فما منزلة من يجيبكم ويدخل فيكم ؟ فقال سيدنا خالد منزلتنا واحدة فيما فرض الله علينا ، ثم قال جرجة هل لمن دخل فيكم اليوم مثل أجركم ؟ فقال خالد نعم وأفضل ، فقال جرجة وكيف يساويكم وقد سبقتموه ؟ فقال سيدنا خالد رضي الله عنه : لقد دخلنا الإسلام ونبينا حي بيننا ولكنكم لم تروه ، فمن دخل منكم كان أفضل منا .
فأقترب من خالد وقال علمني الإسلام ، فمال خالد إلى ماء يحمله ونطق جرجة بالشهادة على يد سيدنا خالد رضي الله عنه ، وعلمه الوضوء وتوضأ جرجة لأول مرة ومن ثم صلى ركعتين .
ولما رأي الروم انقلاب جرجة وإسلامه هجموا على المسلمين ، وقاتل جرجة يومها مع المسلمين وأصيب بجروح بالغة وهو لم يصلي إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما .
أحداث المعركة : حاول جيش الروم أن يستغل الفرق العددي الكبير بين الجيشين ، فقرروا الهجوم من أول يوم بالمعركة وبالفعل اخترقوا صفوف الجيش الإسلامي وألحقوا به أضرار كبيرة ، وعندما رأى هذا عكرمة بن أبي جهل نادى في الجيش وقال من يبايعني على الموت ؟ فبايعه الحارث بن هشام وخرج معه 400 فدائي ، واخترقوا جيوش الروم المتراصة يقاتلون فيها يمينًا ويسارًا في مشهدٍ أرعب الكفار فهم جند لا يخافون الموت ، وقتلوا الكثير من الروم ولكن العدد الهائل من الروم ذو العدة والعتاد تغلب عليهم .
ووقع عكرمة قتيلًا ولا يوجد بجسده مكان إلا وبه طعنة أو ضربة سيف أو طعنة رمح ، وقاتل سيدنا خالد رضي الله عنه بميسرة جيش الروم وقتل منهم ستة ألاف مقاتل ، وبعد هذا القتال الرهيب واستبسال المسلمين تراجع جيش الروم واستمر القتال ستة أيام متتالية .
وقد كانت الأيام الأربعة أيام الأولى شديدة على الجيشان ، وفي اليومين الخامس والسادس ظهرت بوادر النصر للمسلمين ، ومن تلك المشاهد العجيبة أن الروم قد ربطوا كل عشرة من جنودهم في سلسلة حديديه لكي لا يهربوا من القتال .
وكان عندما يقتل المسلم واحدًا من العشرة يقع الباقي ويقتله المسلمون ، وبينما كانت المعركة دائرة توفي الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد أوصي أن يكون الخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وعندما تولي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة قرر أن يستبدل قيادة الجيش بأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه بدلًا من خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وكتب بكتاب وبعث به برسول إلى اليرموك ولم يخبر الرسول الجنود بموت الخليفة .
ولكنه ذهب إلى القائد خالد بن الوليد وأخبره بموت الخليفة وبأمر عزله وتولية أبو عبيدة قيادة الجيش ، فقال له سيدنا خالد : أحسنت ثم أخذ الكتاب ولم يظهر ذلك للجنود حتى لا ينفرط عقد الجيش إذا عرف بوفاة الخليفة .
ولما انتهت المعركة أعلن خالد بن الوليد مضمونها على الملأ وقد وضع نفسه جنديًا مطيعًا للقائد الجديد ، وبعد أن انتهت المعركة بالنصر للمسلمين بعد أن قتلوا من الروم عشرة ألاف وأسروا ألف وهرب قيصر الروم إلى القسطنطينية ، ولقد تغنى الشعراء بتلك الملحمة التاريخية في تاريخ الإسلام حين قالوا : وَكَم قَد أَغرنا غارَة بعد غارَة.
يَوماً وَيَوماً قَد كَشَفنا أَهاوِلَه.
وَلَولا رجال كان عَشر غَنيمَة.
لَدى مَأقط رجت عَلَينا أَوائِلَه.
لَقَيناهُم اليَرموك لما تَضايَقت.
بِمَن حَلَّ بِاليَرموك منهُ حَمائِله.
فَلا يَعدَمن منا هرقل كتائِباً.
إِذا رامَها رامَ الَّذي لا يحاوِله .