قصة معركة فارسكور

منذ #قصص حروب



معركة فارسكور التي هزم فيها الصليبيين على يد المسلمين ، يوم الأربعاء 3 محرم سنة 648هـ ، وانتصر المسلمين فيها انتصارًا عظيمً ، فقد أسقطوا بسيوفهم ثلاثون ألفًا من الصليبيين وأردوهم قتلى ، ووقع الملك لويس التاسع وأخوه في الأسر ، وقد فشلت الحملة الصليبية فشلاً ذريعاً .

إشاعات ويقظة : كان موقف المسلمين غاية في الحرج والدقة ، لإشاعات تملأ المعسكر والنفوس ضائعة بعد وفاة السلطان والأمراء الأيوبيون ينظرون إلى عرش مصر نظرة الرغبة والطمع ، والمماليك يبيتون للانفراد بالسلطة ، والعدو قاب قوسين أو أدنى ، وشجرة الدر تمسك بهذه الخيوط بحذر ودهاء ويقظة ، وتتدبر الأمور وتصدر الأوامر باسم السلطان وتبلغها للأمير فخرالدين يوسف بن شيخ الشيوخ .

أهالي المدينة ضد الفرسان المحتلين : كان الأمير فخر يدافع عن بلاده كما يسقط الأبطال الشهداء ، وقد محا بدمه عار هزيمته يوم معركة دمياط ، وزاد مصرع الأمير فخر الدين يوسف من ذهول المسلمين ، فاندفع الأمير أرتوا وفرسانه في شوارع المدينة ،وأزقتها ودارت معارك حامية بين البيوت بالسيوف والعصي والحجارة ، وشاركت النساء والأطفال من خلف الأبواب بقذف الحجارة والعصي ضد الغزاة المعتدين .

طلب الدعم : لكن الفرسان الصليبيين تمكنوا من اقتحام المعسكر ، وبلغوا ساحة القصر العثماني ، فارتفعت أصوات النساء تستنجد من خلف النوافذ ، ولم يكن الحرس حول القصر كافيًا ، لدرء المهاجمين فأرسلوا يستنجدوا بالأمراء والمماليك الذين لم يدروا بكل ما حدث بعد .

خيانة وهزيمة : ووصل أيبك ونفر من المماليك معه وشرعوا يقاتلون ، في المعبر الشرقي ، حيث المسلمون ، ولكن المسلمين أغرقوا هذا المعبر فجرفه التيار ، وبقي الصليبيون في أماكنهم ، وذات صباح فوجئ المسلمون بهجمة صليبية بين ظهرانيهم ، فقد أشار بعض الخونة من المسلمين على المسيحيين بأن يعبروا من مخاضه ضحلة المياه في البحر الصغير ، وعبرت قوة من مغامري الفرنجة يقوده الأمير آرتوا شقيق الملك لويس ، وكان آرتوا هذا بطلاً جريئًا ، فاندفع بفرسانه في قلب معسكر المسلمين ، الذين أذهلتهم المفاجأة .

موت الأمير فخر الدين يوسف : دوي النفير العام ، وكان الأمير فخرالدين في الحمام ، فخرج على عجل وقد أذهله الضريح ، وركب فرسه في نفر من مماليكه ليرى ما الخبر ، والتحم مع رجاله بفرسان الأمير آرتوا ولكن هؤلاء الفرسان تكاثروا عليه ، وتناولته سيوفهم فسقط صريعًا على أيدي الصليبيين .

بيبرس والمعركة ضد الصليبيين : وحينما وصل بيبرس وجماعته مالت الكفة لصالح المسلمين ، وصال بيبرس وجال بسيفه يمنة ويسرة وزلزل الأرض تحت أقدام الغزاة الصليبيين ، وانقض على الأمير آرتوا فصرعه بضربة واحدة ، وجندله على الأرض ، فهرب الفرسان الصليبيون لما رأوا مصرع قائدهم ، وسيف بيبرس يلاحقهم بلا هوادة ويحصد منهم الرؤوس والنفوس .

هزيمة الصليبيين هزيمة ساحقة : واصطدمت فلول الهاربين بمقاومة معسكر المسلمين والسكان في شوارعهم وبيوتهم ، فعظم القتل في الصليبيين ولم ينقض النهار إلا وطرقات المنصورة مغطاة بألف وخمسمائة جثة من جثث الفرنجة بينهم الأمير آرتوا شقيق الملك وعدد كبير من كبار أمرائهم وضباطهم وشجعانهم .

موقف شجرة الدر : وكانت شجرة الدر تراقب المعركة من نوافذ القصر ، رابطة الجأش ، ثابتة العزم ، لم يختلج لها جفن ولم يظهر عليها ضعف ، وكأنها تراقب سباقًا للخيل وليس معركة حقيقية ، حتى اذا ابتعد شبح الخطر عن القصر هدأت النفوس وسرت إليها الطمأنينة وأدركت أن العدو ، لا يمكنه أن ينال من عزائم المسلمين وثباتهم .

وهكذا كان بيبرس بطل معركة المنصورة ، أو معركة فارسكور ، كما سميت بذلك بعد مدة وجيزة من معركة عين جالوت ، وكما دفع الخطر الصليبي في المعركة الأولى فقد دفع الخطر المغولي في المعركة الثانية .

أثر الملك الفرنسي لويس التاسع : خلال هذه المعركة في القصر ، كان الملك الفرنسي لويس التاسع ، قد اندفع بجيوشه في أثر أخيه الأمير أرتوا ليكمل ما بدأه أخوه ، وقد تم أثره وحبسه حيث أودع في دار القاضي فخر الدين بن لقمان ووضع في رجليه قيد حديدي ، ووكل بحراسته الخصي صبيح المعظمي ، وسجن معه أخواه وأمراؤه وضباطه ، كما غضت سجون مصر بعشرات الآلاف من الأسرى الفرنجة الذين استسلموا في فارسكور والمنصورة .

معركة فارسكور : كان لويس قد أعد جيوشه على أمل أن يقوم فيحتل تل جديلة من يد المسلمين ، ولكن المسلمين قد وصلتهم أنباء معركة القصر ومقتل آرتوا ، انطلقوا كالسهام نحو معسكر العدو فمزقوا صفوفه وأعملوا فيه السيوف وشتتوا جموعه الكثيفة .

وجاء الليل فحجز بين الفريقين وقرروا الصليبيون تحت جنح الظلام أن ينسحبوا إلى دمياط عن طريق فارسكور، ولكن هيهات أن يتم لهم ذلك ، فقد أحاط بهم جند المسلمين ، وسحقوهم عن آخرهم ، ولم ينج منهم إلا القليل وبلغ قتلى فارسكور ثلاثين ألفًا من الفرنجة وسيق البقية من أسرى وبينهم الملك لويس التاسع نفسه وإخوانه ، الأميران ألفونس ، وآنجو ، وعدد من النبلاء والأمراء والقادة ، وهكذا تمزقت الحملة الصليبية على شواطئ النيل الخالد ، وانتهت أحلام لويس التاسع .

الفدية : أرسلت مرجريت دو بروفنس زوجة لويس التاسع ، بفدية ضخمة لتوران شاه ، ليفك أسر زوجها ، فقبل المسلمون ذلك، ودفع لويس التاسع لفدائه هو وعساكره مبلغ أربع مائة ألف دينار ثمنا لحريته ، ورحلت بقايا الأسطول الصليبي بمن بقي من رجالها وفيها الملك لويس التاسع ، وعادت أرض مصر حرة تخفق عليها الراية الإسلامية في دمياط وفارسكور والمنصورة .

أشهر قصيدة شعر للشاعر المصري بن مطروح : وقام الشاعر جمال الدين بن مطروح ، ينشد شجرة الدر فرحًا بالنصر وهي خلف الستار ، الأبيات الآتية : قل للفرنسيين إذا جئته مقال صدق من قئل فصيح آجرك الله على ما جرى من قتل عباد يسوع المسيح .

أتيت مصر تبغي ملكها تحسب أن الزمر يا طبل ريح فساقك الحين إلى أدهم ضاق به عن ناظريك الفسيح .

وكل أصحابك ودعتهم بحسن تدبيرك بطن الضريح خمسون ألفا لا يرى منهم ظغلا قتيل أو أسير أو جريح .

وفقك الله لأمثالها لعل عيسى منكم يستريح إن كان باباكم بذا راضيا فرب غش قد أتى من نصيح .

وقل لهم إن أضمروا عودة لأخذ ثأر أو لقصد صحيح دار ابن لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيح.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك