تدور العديد من الأحداث حول العالم ، وتترك خلفها قصصاً غريبة قد تتحول إلى أساطير عبر الزمن ، وتناقلها من جيل لآخر ، خاصة في المدن الصغيرة التي تقع في أماكن نائية بعض الشيء ، ولنا في البحيرة المحترقة قصة أخرى .
تقع بحيرة Lago Epecuén أو البحيرة المحترقة كما اشتهرت في الجنوب الغربي من مدينة بوينس آيرس بدولة الأرجنتين ، انتشرت العديد من الأساطير المحلية بشأن تلك البحيرة بداية من عام 1920م ، وقيل أنها قد تكونت من الدموع ، وأن المياه بها لديها القدرة على الاستماع إلى البشر ، ومشاعرهم والإحساس بهم ، وللمياه عقل خاص بها ! ويعود أساس تلك الأسطورة إلى أن مستوى الملح داخل البحيرة ، مرتفع إلى عشرة أضعاف مستواه الطبيعي داخل أي مسطح مائي آخر ، ولتلك المياه قدرة غريبة على علاج العديد من الأمراض مثل الروماتيزم والاكتئاب والسكر وغيرهم.
ولم يكن هذا مشهور سوى بعد أن بدأ السكان المحليون ، في الاحتفاظ بزجاجات من تلك المياه ، ثم يتم استخدامها بما فيها من أملاح مرتفعة في صناعة العقاقير الطبية ، والعمل على بيعها للسكان المجاورون للبحيرة ، وتهافتهم على تلك المنتجات الملحية من أجل الاستشفاء .
وبحلول عام 1970م أصبحت تلك المنطقة من أشهر المناطق السياحية على مستوى العالم ، وبدأ السائحون في التوافد على هذا المكان بالآلاف من كل حدب وصوب ، بهدف الاسترخاء والعلاج .
وشهدت المدينة الصغيرة جداً التي كانت تقع على أطراف البحيرة ، تحولاً جذرياً وأصبحت إحدى المدن الكبرى وتم تغير اسمها لـ Villa Epecuén ، وذخرت المدينة بالمتاحف والمصانع ، والمنتجعات والفنادق التي أنشئت من أجل السائحين بالأساس ، بالإضافة إلى المتاجر والملاعب والمتنزهات المؤمنة للأطفال ، وغيرهم .
انتقلت المدينة إلى مرحلة ثراء مختلفة ، وبدأ السكان المحليون في التعامل مع البحيرة بأنها المعجزة الإلهية التي يجب استغلالها في أمور أكثر من ذلك ، وظلت المدينة ذاخرة بالسائحين والتجارة والنمو الاقتصادي الكبير ، حتى شهر نوفمبر من عام 1985م ؛ حيث بدأت الأمطار الغزيرة في الهطول .
وضربت المدينة بقوة مفاجئة ، وارتفع مستوى المياه في البحيرة ، وبدأ أولاً بارتفاعات بسيطة عدة سنتيمترات ، وأخذت في الازدياد بنفس المعدل يوماً بعد يوم ، حتى نهاية شهر نوفمبر .
استيقظ السكان المحليون فجأة ليجدوا أنفسهم شبه غارقين في المياه ، حتى القاطنون بالأدوار المرتفعة من المنازل وصلت إليهم المياه ، التي استمرت بالارتفاع حتى ثلاثة أمتار عن سطح الأرض ، وبالتالي من استطاع أن يجمع أكبر قدر من ممتلكاته ويفر هارباً مع ذويه ، نفذ ذلك حتى صارت المدينة مهجورة بشكل كامل خلال يومين فقط.
وفي عام 1993م كانت المدينة قد دُفنت حتى عشرة أمتار تحت سطح مياه البحيرة ، كافة المباني ، والبشر ممن لم يستطيعوا الهرب في الوقت المناسب ، والمتاحف وحتى المتاجر وكل شيء ، كافة أرجاء المدينة دُفنت أسفل المياه في صمت .
ومنذ عام 1985م وحتى عام 2009م ظلت المدينة غارقة ومدفونة بالكامل تحت سطح المياه ، ومن المفارقات أن كل ما غرق احتفظ بشكله وملامحه نظراً لنسبة الأملاح المرتفعة الموجودة بالأساس في المياه داخل البحيرة ، وبنهاية عام 2009م انحسرت المياه عن المدينة التي ظهرت على سطح الأرض مرة أخرى.
في هذه المرة ظهرت المدينة كمدينة للأشباح ، فكل ما فيها تم تحنيطه بشكل حرفي ، حتى ما تم تدميره منها ، وكأنه مشهد التقط لكوكب الأرض عقب نهاية العالم ، بالطبع تحللت الكثير من أجساد البشر ممن احتجزوا إبان الأزمة .
ولكن احتفظت ممتلكاتهم ومنازلهم بنفس مظهرها ، وافتتحت المدينة كمزاراً سياحياً ، ولكن تحت احتياطات أمنية مرتفعة خشية حدوث ارتفاع منسوب المياه مرة أخرى ، وحدوث كارثة مجددة ، بالطبع مازالت البحيرة موجودة ولكن لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها للعلاج ، نظراً لآلاف الأرواح التي دفنت أسفلها ، حتى أصبحت تسمى بأرض أشباح البحيرة المحترقة .