دور الأيتام من أكثر الأماكن ، التي تحمل الكثير من الآلام والمعاناة ، لذلك عندما يموت من بها ويُهجر المكان ، تتحول أرواح هؤلاء المعذبون إلى أشباح ، تطوف كل صوب داخل المكان ، ولا تطيق إزعاجًا ممن يطؤن المكان بأقدامهم . ولعل أشباح الأطفال ، هي الأشباح الكثر إزعاجًا وإثارة للقلق والخوف ، فمثل تلك الأرواح على قدر براءتها وهي حية ، إلا أنها تحمل الكثير من الآلام عند موتها ، فتجوب أشباحها بحثًا عمن تقص عليه روايتها . تاريخ المكان يعود مرة أخرى : قد يظن البعض أن هدم مكان ماتت به الكثير من الأرواح البريئة ، هو أمر يدفع الأشباح والأرواح المعذبة بعيدًا ، إلا أن الأمر قد لا يكون بمثل هذه السهولة ، ففي مقر المستودع التابع لشركة وال مارت الأميركية ، يرى موظفو هذا المكان ، الكثير من الأشباح التي تجوب المكان ، ليلاً ونهارًا . جلس بعض الموظفون من عمال نقل البضائع ، يتبادلون أطراف الحديث في ليلة باردة ، وهم يدخنون سجائرهم ، ويطلقون النكات ، ثم فجأة سمعوا صراخ طفلة صغيرة ، آتيًا من داخل المستودع ، وبعد جهود مضنية للبحث عنها ، جلس الجميع مذهولون ، فكيف لهم جميعًا أن يستمعوا إلى وهم ! وأثناء جلوسهم مرة أخرى ، وتبادلهم التساؤلات بلا إجابة ، أطل عليهم عجوزًا محني الظهر ، وأخبرهم أن هذا المكان يعج بأشباح أطفال ، دار أيتام القديسة ماريا ، فاندهش الجلوس ودعوه لسرد بعض التفاصيل . تم إنشاء هذا المستودع من الأساس ، ليكون دارًا لرعاية المرضى وخلافه ، تحت رعاية بعضًا من الراهبات من الكنيسة الكاثوليكية ، وذلك على أرض جزيرة جاليفسون بولاية تكساس ، وتم إلحاق دارًا للأيتام بهذا المبنى العريق ، فكان المشفى يعج بالمرضى ، من مصابي الحمى والأوبئة وغيرها .
ولهذا تقرر أن يتم نقل الأطفال إلى مكان آخر ، تم تأسيسه على بعد أكثر من ثلاث كيلو مترات عن المبنى الرئيس ، وكان المبنى متميز في موقعه ، فكان يطل على البحر ويدخل الهواء إليه من كافة الجوانب ، ويقع بالقرب من المدينة ، حيث يمكن للسكان المحليون ، تقديم مساعادتهم للأطفال ، وعُرف الدار باسم ، دار القديسة ماري لرعاية الأيتام . وفي أحد الأيام ، شهدت المنطقة عواصف شديدة ، كانت في هذا اليوم إحدى الراهبات ، وتدعى إليزابيث قد انطلقت صوب المدينة ، لجلب الطعام للأطفال ، وأثناء مرورها على المشفى لجلب بعض الأدوية للأطفال ، حذرتها مديرة المشفى ، من العودة إلى الدار مرة أخرى ، نظرًا لانتظارهم عاصفة رعدية بالطريق ، وقد تؤدي إلى حدوث فيضانات شديدة . لم تستمع إليزابيث إلى كلمات المديرة ، بل هرعت فورًا صوب الدار لتحذير الراهبات ، اللاتي قمن بإنزال الأطفال إلى الطابق الأرضي ، ثم بدأن في تثبت الألواح الخشبية على النوافذ والأبواب ، لتخفيف وطأة الفيضان وشدة الرياح ، ولم ينسين أن يهدئن من روع الأطفال ، الذي ارتعبوا مع أصوات الرياح الشديدة والعاصفة بالخارج . مرت الدقائق عسيرة للغاية ، وبدأ الفيضان في جرف كل شيء في طريقه بلا هوادة ، ودخلت المياه إلى المبنى وأغرقت الكثير بداخله ، فقامت الراهبات بربط أحبال حول خصرهن ، وربط ثمانية أطفال لكل واحدة ، حتى لا يجرفهم التيار بعيدًا ، وتسحبهم المياه فيغرقون . بينما تسلق ثلاث أطفال ، كانوا هم الأكبر عمرًا ، للطوابق المرتفعة واستطاعوا النجاة من بين هذا الحطام ، الذين جرف الجميع وغرق كل من بالدار ، وفر هؤلاء يروون قصة الدار ، وما فعلته الراهبات من رعاية للأطفال حتى اللحظة الأخيرة . هرب السكان المحليون من جوار الشاطئ ، وغرق لكثير ولم يبق بالدار أحدًا ، سوى بعض الناجون الذين انطلقوا صوب المشفى ، لتلقي الرعاية من جانب ، والابتعاد قدر الإمكان عن الشاطئ من جانب آخر . في اليوم التالي ، كانت حصيلة الفيضان كارثية ، حيث فقد أكثر من 12 ألف قتيلاً في هذا الفيضان ، وكانت كارثة الدار هي الأكثر إيلامًا ، حيث وُجدت جثث المربيات من الراهبات والأطفال متكومة على الشاطئ ، بعد غرق عشرة راهبة وتسعين طفلاً ، وشهد الجميع أن الراهبات كن يحتضن الأطفال ، وكانت من بينهم واحدة أقسمت ألا تترك الأطفال للأبد ، ووجدت جثتها على الشاطئ بالفعل وهي تحتضن طفلتين بيديها ، وتم عمل نصب تذكاري لهن جميعًا في نفس مكان عثورهم على الجثث ، تخليدًا لذكرى الدار وأطفاله والراهبات .