إن الصدق يهدى إلى البر ، والكذب لا ينجي صاحبه ، إنما يغمسه في وحل الدنيا ؛ ليستتر به من أعين الآخرين ، والله سبحانه وتعالى يحب الصديقين ، وكان محمد رسول الله صلّ الله عليه وسلم بين قومه هو الصادق الأمين ، ومثلنا اليوم يرتبط بالصدق مع الله ، ففي الصدق دائمًا تكون النجاة
قصة المثل :
ورد عن لسان أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم روى قصة ، لثلاثة من الشباب الذين كان ينطلقون في الصحراء ، وفجأة أمطرت عليهم السماء مطرًا غزيرًا ، فاحتموا بكهف في الصحراء من غزارة المطر ، ولكن مع شدة السيل تحركت الصخور من أماكنها ، وأطبقت عليهم صخرة منها ، فحالت دون خروجهم
فعلموا أن لا شيء سينقذهم مما هم فيه سوى رحمة الله ، فلن يستطيع أحدًا الوصول إليهم ، ولن يروا أثار أقدامهم التي ضيعها المطر ، فأخذوا يتضرعون إلى الله راجيين منه النجاة ، واقترح أحدهما أن يتضرعوا لله بأكثر أعمال الخير التي فعلوها في حياتهم ، عله يزيح تلك الصخرة القابعة على بابهم
فأخذ الشاب الأول يتضرع ببره لوالديه ، وقال يا رب اللهم انك تعلم أن والديا أحب إليا من أبنائي ، واني كنت أحلب ماشيتي وأسقيهما الحليب قبل أن أسقي أبنائي ، وفي مرة من المرات عدت متأخرًا ؛ فوجدتهما قد نامًا ، فوقفت ببابهما حاملًا الحليب للفجر ، وأبنائي عند قدمي يبكون ، فلم أستطع إيقاظهما ، ولم أستطع الرحيل ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا لأجلك فأزح هذه الصخرة عن الطريق ، وبالفعل تحركت الصخرة بعض الشيء
فبدأ الثاني يقص عمله ويناجي الله به قائلًا : يا رب اللهم أنك تعلم أني لي ابن عم أحبها حبًا شديدًا ، وراودتها عن نفسها مرارًا وتكرارًا ، ولكنها أبت ، وفي مرة جعلتها الحاجة تقبل ، فوافقت على أن أعطيها المال ، ولما قعدت منها مقعد الرجل من امرأته ذكرتني بك ، فتركتها لأجلك ولم أمسسها ، وتركت لها المال ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا طمعًا في رضاك فأزح هذه الصخرة عنا بعض الشيء ، وبالفعل تحركت الصخرة ، وأزاحها الله بما يكفي لمرور شاق
فتابع الثالث ، وأخذ يسرد قصته قائلًا : اللهم انك تعلم أنى استأجرت أجيرا ، وكانت أجرته شيئا من الأرز ، فلما قضي عمله ، وعرضت عليه أجره زهد فيه ، فحفظته له ، وثمرته ونميته ، واشتريت به بقرًا ، وأوكلت بها من يرعاها ، حتى جاء في يوم وطلب أجرته التي كان قد تركها ، فأعطيته البقر الذي ربيت ، اللهم إن كنت تعلم أنى فعلت هذا لأجلك ، فأزح هذه الصخرة من مكانها ، حتى نستطيع الخروج من ظلمة الكهف
وما إن أنهى ثالثهم قصته حتى أزاحها الله تمام الإزاحة ، واستطاع الثلاثة فتيان أن ينجو بأنفسهم بفضل صدقهم مع الله ، وأعمالهم الطيبة ، فالصدق منجاة لصاحبه