لم يكن في الفندق من أمريكي سوى رجل وزوجته ، ولم يكونا يعرفان أي شخص يقابلنه صدفة على السلالم في طريقهما إلى الحجرة أو منها ، كانت حجرتهما في الطابق الثاني وتطل على البحر ، وكانت تطل أيضاً على الحديقة العامة وعلى النصب التذكاري المقام لذكرى الحرب .
كان الايطاليون يفدون من أقصى البقاع لمشاهدة النصب التذكاري وكان مصنوعاً من البرونز ويلمع حينما يهبط عليه المطر ، أخذت السماء تمطر ، وتكونت بحيرات من الماء على الممرات المغطاة بالحصاء ، وتدفقت موجات البحر في خيط طويل تحت الأمطار ثم انحسرت ثانية إلى الشاطئ لتعود مرة أخرى متدفقة في خيط طويل تحت الأمطار .
نبذة عن المؤلف : قصة من روائع الأدب الأمريكي للكاتب العظيم ، آرنست ميلرهمنجواى ، ولد آرنست في 21 يوليو عام 1899م ، في مدينة أوك بارك ، في ضواحي شيكاغو ، كان أمه من النساء ذوات النشاط الديني الفعال ، وكان أبوه طبيباً محلياً معروفاً ، تعلم آنست وهو في المعهد صبياً الرماية وشارك في العرض العسكري في المدينة وهو في الثالثة من عمره ، وتميز أسلوبه بالبساطة والجمل القصيرة وترك بصمته في الأدب الأمريكي ، وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1954م عن رواية العجوز والبحر.
قطة تحت المطر : وانفضت السيارات من حول النصب التذكاري في الميدان ، وعبر الميدان ، وقف نادل في ممر المقهى ، يتطلع إلى الميدان المقفر ، ووقفت الزوجة الامريكية تتطلع إلى الخارج عبر النافذة ، وهناك تحت نافذتها تماماً كانت هناك قطة تقف تحت مائدة خضراء تقطر بمياه المطر .
وتحاول أن تلملم نفسها حتى لا يصيبها رزاز الماء ، قالت المرأة الأمريكية سأنزل إلى الأسفل لأحضر تلك القطيطة ، فتطوع زوجها قائلاً : سأقوم أنا بهذه المهمة .
قالت الزوجة : كلا سأحضرها أنا بنفسي ، تلك القطيطة المسكينة تحاول ان تقي نفسها من مياه المطر ، أجابها الزوج : حسنا وحذار أن يصيبك البلل ! إعجاب : هبطت الزوجة إلى الطابق الأسفل مارة بصاحب الفندق فحياها حينما مرت أمام غرفته ، كان مكتبه في الطرف الأقصى من الغرفة ، كان رجلاً مسناً بالغ الطول ، قالت الزوجة بايطالية : إن المطر يهطل ، وكانت معجبة بصاحب الفندق ، قال لها : أجل يا سنيورا ، ان الجو سيء للغاية .
ووقف خلف مكتبه ، كانت الزوجة معجبة به ، وبطريقته الصارمة الجادة التي يتلقى بها أي شكوى من النزلاء ، معجبة بهيبته ، بطريقة خدمته لها ، بالطريقة التي كان يشعر بها كصاحب فندق بوجهه العجوز الثقيل ويديه الكبيرتين .
البحث عن القطة : فتحت الباب وهي ممتلئة اعجاب به ونظرت إلى الخارج ، كان المطر يهطل بشدة ، وكان ثمة رجل يرتدي قبعة من المطاط يعبر الميدان متجها إلى المقهى ، لابد أن القطة من الناحية اليمنى ، وتستطيع أن تتجه إليها محمية بأفاريز السطح ، وإذا هي تقف بالمدخل أحست بمظلة تنفتح الى جوارها .
كانت خادمة غرفتها ، وقالت لها بالايطالية وهي تبتسم : يجب ألا تبلك مياه الأمطار .
لابد أن صاحب الفندق قد بعث بها خلفها ، سارت على طول الممر حتى وصلت الي المائدة التي يلتمع سطحها من مياه المطر ، ولكن لم تجد القطة ، غمرتها فجأة موجة من خيبة الأمل ، وتطلعت اليها الخادمة ، وقالت لها بالايطالية : هل ضاع منك شيء سنيورا ؟ فأجابت الزوجة الأمريكية : لقد كان هناك قطة .
فضحكت الخادمة وقالت : قطة ، قطة تحت المطر ؟.
أجابتها : أجل قطة ، قالت الخادمة : هيا يا سنيورا ، لابد أن نعود إلى الداخل ، سوف تصيبك مياه الأمطار .
فقالت الزوجة الأمريكية : أظن ذلك .
العودة : عادت الزوجة مرة أخرى عبر الممر المغطى بالحصاء ودخلا إلى الباب ، وبقيت الخادمة في الخارج لتغلق المظلة ، وحين مرت الزوجة الامريكية بغرفة صاحب الفندق انحنى لها الرجل من وراء مكتبه وأحست الزوجة بشيء ضئيل ومحكم في داخلها ، لقد جعلها صاحب الفندق تشعر بضآلتها وأهميتها الحقيقية في نفس الوقت.
صعدت لسلالم وفتحت الباب كان زوجها جورج راقداً على الفراش يقرأ كتاب ، ووضعه جانبا وسألها : هل حصلت على القطة ، أجابته : لقد اختفت .
فقال وهو يرفع عينيه ويكمل القراءة ، إني لأعجب أين اختفت ، جلست بجواره على الفراش وقالت : لقد كنت أرغب جداً فيها ، لا أعلم لماذا أريدها بهذه الطريقة ، لم يكن مناسباً ترك تلك القطيطة المسكينة تحت المطر .
تأمل : وواصل جورج القراءة .
سارت زوجته عبر الغرفة من أمام التسريحة وتطلعت لنفسها في المرآة وقالت : ألا تظن أنه من الأفضل أن أطيل شعري قليلاً ، نظر جورج اليها ورأى عنقها من الخلف بوضوح كأنه عنق صبي وقال : إني احبه هكذا .
فقالت له : لقد مللت ذلك ملت أن أبدو كصبي صغير .
فأجابها زوجها جورج : أنك تبدين جميلة رائعة ولطيفة انصرفت من أمام التسريحة متجهة الي النافذة وكان الظلام قد بدأ ينسدل .
رغبات : قالت : أريد أن أسدل شعري ناعما مسترسلاً على ظهري ، وأجعل منه ضفيرة كبيرة أستطيع أن أتحسسها وأريد أن يكون لي قطيطة اجلسها على حجري وتهر حين أربت على ظهرها .
وأريد أن آكل على مائدة بمعالقي الفضية الخاصة ، وأريد شموعاً على المائدة ، وأريد أن نكون في فصل الربيع وأريد بعض الملابس الجديدة ، فقال لها جورج : اصمتي وخذي شيء واقرئيه .
القطة : كانت الزوجة تتطلع من النافذة وقد لف الظلام المكان ، قالت : على كل حال أريد قطة ، أريد قطة الآن .
فإن لم يكن باستطاعتي أن أطيل شعري ، أو أن أحصل على متعة أخرى ، فباستطاعتي الحصول على قطة .
لم يكن جوروج ينصت اليها كان يقرأ كتابه ، حين دق أحدهم باب الغرفة ، فرفع جورج عينه من الكتاب وقال : ادخل ، وعلى عتبة الغرفة كانت الخادمة تقف ممسكة بقطة كبيرة مصنوعة من البلاستيك ، وهي تضمها اليها بإحكام وتحملها على صدرها ، وقالت : عفواً يا سيدي ، لقد طلب مني صاحب الفندق أن أحضر هذه القطة للسنيورا .