إن الأمانة خصلة من الخصال الحميدة التي حسنا الله سبحانه وتعالى على التحلي بها ، فهي خلق رفيع لا يتحلى به إلا الإنسان القويم الذي تربى على مجاهدة النفس وإعمال الضمير ، وقد ورد ذكر الأمانة بالقرآن الكريم في مواضع عدة كقوله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (سورة الأحزاب ، الآية 72)وتوحي هذه الآية بثقل الأمانة وعظيم أجرها عند الله عزوجل ، وفي الأمانة وردت قصص عدة على لسان النبي والعامة ، ومن القصص الواقعية التي حدثت وتوارثتها الأجيال عن السابقين قصة التاجر الأمين والكنز الدفين
يُحكى أنه في قديم الزمان كان هناك تاجرٌ اشتهر بين الناس بأمانته وحسن خصاله ، فقد كان يراعي الله دائمًا في كل صغيرة وكبيرة يفعلها ، ويضعه نصب عينيه في كل خطوة يخطوها ، فلا يفعل إلا الخير ولا يبغي إلا الثواب
وقد اعتاد هذا التاجر على السفر والتجوال بين الأمصار والبلدان لجلب البضائع وبيعها للناس ، ولكن بمرور السنوات مضى به العمر وتدهور به الحال بعد أن ظهر الشيب في رأسه وتراجعت صحته ، فشعر بالتعب من كثرة السفر والترحال ووقرر الاستقرار والبقاء في بلدته مع أسرته المكونة من ابنته وزوجته
لذا جمع المال الوفير وقرر شراء منزلٍ يتسع له ولأسرته الصغيرة ، وبالفعل وجد بغيته في منزل مناسب كان صاحبه يود بيعه ، فذهب التاجر إليه واشتراه منه بالثمن الذي حدده ، ومرت الأيام والتاجر يعيش في بيته الجديد مع أسرته في سعادة وهناء ، حتى وقعت عينيه ذات يوٍم على جدارٍ قائمٍ في بيته ، ففكر في هدمه من أجل توسعة البيت
وبالفعل أمسك التاجر بالفأس وبدأ في هدم الجدار وإزالته من مكانه ، ولكنه فجأة رأى شيئًا عجيبًا فتحت الجدار كانت توجد جرةٌ مملوءة بالذهب ، تعجب الرجل من وجودها وقال في نفسه : لا بد أنها ملك صاحب البيت القديم سأعيدها إليه فهو أحق الناس بها ، لأنني لو أخذتها سأكون بذلك قد تعديت على أمانة الله ولن يبارك الله فيما أخذ دون حق
وعلى الفور حمل التاجر الجرة وذهب بها إلى الرجل الذي باعه المنزل ووضعها بين يديه قائلاً : خذ ما لك فتلك الجرة عثرت عليها بالدار حينما هممت بهدم الجدار ، فقال الرجل : ولكن الدار لم تعد ملكًا لي ، انها ملكك الأن فقد بعتك الدار وما فيها
ولكن التاجر أصر على الرجل أن يأخذ الذهب ، وأصر الرجل بدوره على التاجر أن يأخذه ، فلما رفضا كلا الرجلين أن يأخذا جرة الذهب قررا أن يحتكما إلى القاضي في ذلك الأمر كي يفصل بينهما ، وحينما ذهبا إلى القاضي وسمع منهما القصة تعجب لذلك أشد العجب
وقال : والله ما رأيت في حياتي رجلين مثلكما يتبارون في رد الأمانة دون أن يطمعا فيها ، ويتنازعان على رفض الكنز بدلًا من أخذه ، ولما حار القاضي في أمر الرجلين وأيهما أحق بالكنز ، سألهما إن كان لديهما أبناء فقال التاجر الأمين : لدي ابنة واحدة هي رجائي من الله ، أما الرجل الأخر فقال : رزقني الله بولدٍ هو وتدي الذي أتكأ عليه
فابتسم القاضي وقال : إذن فليتزوج ابنك بابنته وتترك لهما جرة الذهب ، فاستحسن الرجلان ذلك الرأي السديد ووافقا على تنفيذه ، وبالفعل تزوج الأبناء وعاشوا معًا في سعادة ورخاء ، أما الرجلين فتصادقا وعاشا سويًا مرتاحا الضمير والبال