يحكي بطل القصة واقعته مع العالم الجن، شاب بعمر العشرينات، يعشق الطبيعة وجمالها الخلاب، محبب للغاية الأمطار، لذلك ما إن علم بوجود أمطار ذهب لمزرعة جده ليستمتع بها وبالجو الخيالي الذي تقدم به الأمطار.
كان لديه شغف غير طبيعي بعالم الجن، يحب أن يعرف كافة تفاصيل حياتهم، وبالفعل من خلال قراءته وبحثه واستطلاعه حصد الكثير من المعلومات عنهم وعن طبيعة حياتهم؛ وصلت به رحلة بحثه في عالم الجن لمرحلة فضوله لقراءة التعويذات والطلاسم لتحضير الجن وتسخيرهم لأداء بعض الخدمات.
من فترة ليست ببعيدة أرسل في طلب بعض كتب السحر الأسود، وقد جاءه الكتاب ومن كثرة شغفه لم يصدق أنه وأخيرا استحوذ عليه وأصبح في قبضة يده؛ حب قراءته في جو الأمطار الذي يعشقه أكثر شيء بكل حياته، قرر قراءة الكتاب، وقد كان له طقوس خاصة من أجل قراءته.
عهد لغرفته بمنزل جده وأشعل بعض الشموع السوداء بعدما أطفى سائر الأنوار بالغرفة، وجلس ليستمتع بقراءة الكتاب، وما إن قرأ الصفحة الأولى واندمج بقراءة الثانية حتى شعر بضيق في التنفس لدرجة أنه لم يستطع أن يلتقط أنفاسه، خرج على الفور للمزرعة الشاسعة بالخارج وهواءها المنعش، وكله إصرار وعزيمة أن يكمل قراءته!
تجول في أنحاء المزرعة، والتي كانت كثيفة الأشجار وجوها بارد بعض الشيء، فاضطر لإشعال النيران، وبعدما أوقدها استراح بجوارها ليكمل قراءة كتابه الشيق، الذي استحوذ على كامل تفكيره في معرفة ماذا بعد؟
وما إن شرع في القراءة حتى سمع صوت امرأة وكأنها تنوح على ابن لها قد فقدته لتوها، صوتها كان يرج في كل الأرجاء ويزلزل الأرض من تحته، أو شيء فعله أطفأ النيران، حيث أنه مدرك لكثير من أمور الجن والنار المشتعلة أو حتى الجمر تعتبر لهم بمثابة الضيافة، ومن ثم حمل نفسه للرحيل، لم ينتهي الأمر على ذلك فقط، بل رأى عجوزا يجري بجواره يريد أن يمسكه، أسرع الشاب ولكن كلما أسرع كان العجوز يسرع بنفس قدر سرعته.
ركض الشاب من المكان البعيد بالمزرعة الذي وصل عنده وأشعل النيران حتى استطاع الوصول لغرفته من جديد، وكل هذه المسافة كان يرجو من الله أن يصل بأمان وسلام؛ وما إن وصل غرفته أوصد الباب وخبأ الكتاب اللعين، واعتقد أن كل شيء قد انتهى، وأنه ليست هناك مصاعب أكثر من ذلك، ظل الشاب مدة طويلة من الزمن يرتجف بشدة، وبعد قليل انتبه لشيء عظيم، قبل أن يخرج كان قد أطفأ الشموع، ولكنه عندما عاد وجدها مشتعلة، تذكر حينها نصيحة أقرب أصدقائه، فذات مرة على طريق سفر، رواد الشاب سؤالا فسأله لصديق: “إذا بيوم من الأيام ظهر لك أحد من الجن فكيف تتصرف؟!”
صديقه: “أولا أتصنع أنني لم أنتبه له من الأساس، ثانيا أصمد ولا أبين أي خوف له، حيث أن الجن يشعرون بمن يخافون منهم فيزيدونهم خوفا فوق خوفهم، ويرعبونهم بل ويتفننون في ذلك أيضا”.
حاولت جاهدا ألا تظهر على ملامحي علامات الخوف الشديد، ركزت كامل تركيزي على لوحة على الحائط قريبة من نافذة الحجرة، والتي كان قد رسمها صديقي من أجلي، لقد كانت عبارة عن منزل جميل تعلوه الغيم الممطرة، وعلى يمين المنزل الأشجار الخضراء، وعلى يساره النخيل،؛ وإذا بأصوات الرعد تضرب السماء، أصبح أكثر شيء أعشقه بحياتي كابوسا بالنسبة لي، لقد كانت أصوات المطر والرعد والبرق تبعث بداخل نفسي الخوف الشديد، وما إن عدت لأنظر بلوحة صديقي حتى أتذكره وأحاول تهدئة روعي، حتى وجدت الأمطار التي تهطل على المنزل حمراء اللون!
لم أستطع تكملة النظر إليها، أتذكر هذه اللوحة جيدا، لقد رسمها صديقي “خالد” وقد كان بجواري حينها، رسم من أجلي منزل الأحلام، وبجواره جمال الطبيعة كاملا من نخيل وشجار، وبالتأكيد أمطار تهطل ولكنها ليست بحمراء، وعندما عاودت النظر للوحة من جديد، فوجئت…
يتبع.....