في يوم من أيام منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، و كان عمري قد تجاوز العشرين سنة ، و بعد أذان المغرب بقليل ، طرقت بابنا امرأة عجوز لا نعرفها ، طلبت من والدتي قضاء ليلتها معنا ، قالت : أنها ذاهبة إلى إحدى القرى البعيدة و قد تأخرت و حل عليها الليل ، و سوف تواصل المسير في الصباح.
وافقت والدتي ، وليتها لم توافق ، لم يكن لدينا سوى غرفة واحدة ، قسمناها بواسطة ستارة إلى قسمين ، قسم مخصص لنوم والدتي و قسم للجلوس و لنومي ، أصرت تلك العجوز على مشاركتي فراشي ، صحوت في منتصف الليل على تصرفات غريبة صادرة من تلك العجوز ، كانت ملتصقة بي و تمسح بيدها طلوعاً ونزولاً على صدري و بطني مرات عديدة ، تهمس بكلام لا أفهم منه شيء ، اعتقدت أنها نائمة و أنها ممن يهذون أثناء النوم.
في صباح اليوم التالي تناولنا معها الفطور ، شكرتنا و غادرت ، و بعد ثلاثة أيام بدأت الأحداث التي غيرت حياتي إلى الأبد ، بعد منتصف الليلة الثالثة صحوت من النوم على وجود جسم غريب يتحرك فوق صدري و بطني ، يفصل بيني و بينه غطاء نومي .
كانت الغرفة تغرق في ظلام دامس و الفانوس منطفئ
مصدر إضاءة قديم يعمل بواسطة مادة الجاز ، ضوئه مشابه لضوء شمعة صغيرة
، انتفضت مذعورة و صرخت بأعلى صوتي ، أشعلت والدتي الفانوس و بحثنا عن ذلك الشيء و لم نجد له أثر ، قلنا ربما كانت قطة دخلت من تحت الباب ، ثم عدنا للنوم .
مر شهرين و هو يأتي و يختفي ، و تطورت الأحداث أكثر ، لم يعد يختفي عندما أصحو من النوم و كان يبقى معنا في الغرفة ، إلا أننا لا نراه ، و عندما نقوم بإشعال عود الكبريت كان ذلك الشيء و بدون أن نراه ينفخ هواء و يطفئه بسرعة قبل أن نشعل به الفانوس .
ثم بدأ يظهر لي في الليل عندما أكون خارج الغرفة ، لم يكن يؤذيني ، تعودت على ظهوره لي و نومه فوقي ، أدركت أن هذا الشيء هو جني و أنه مسلط علي ، و بحكم أننا نعيش في قرية ، و أنني في سن الزواج ، و حتى لا ينتشر الخبر بين الناس ، أبقينا هذا الشيء سراً بيني و بين والدتي ، ففي مجتمعنا لا أحد يتقدم لفتاة سبق و أُصيبت بمس حتى و لو شُفيت منه .
و في أحد الأيام ذهبت والدتي مع أمرأة معروفة لدينا إلى قرية مجاورة لحصاد الذرة ، و كان من المفترض أن تعود للبيت في نهاية اليوم ، و عرفت منها لأحقاً أنهما لم يكملا الحصاد و باتت تلك الليلة عندهم .
انتظرت والدتي حتى الساعة الثامنة مساءً و لم تأتي ، خرجت من باب الغرفة و لمحت ذلك الشيء يراقبني ، كان يقف فوق الأحجار القريبة ، شعرت بالخوف ، كيف سوف أنام بدون وجود والدتي و بوجود ذلك الشيء ؟.
ثم قررت أن أذهب إلى أقرب بيت من بيوت الجيران ، و الذي يبعد عن بيتنا قرابة ثلاث مئة متر ، أخبرتهم أن والدتي ذهبت إلى تلك القرية وكان المفروض أن تعود قبل المغرب و لم تعد ، و أنا أخاف أن أنام لوحدي ، و طلبت منهم السماح لإحدى بناتهم أن تأتي للنوم معي ، فوافقوا على طلبي ، وقد جاءت معي ابنتهم خديجة و أخوها الصغير وهيب
كاتب القصة).
كنت في الرابعة عشر من عمري عندما دقت أحلام بابنا ، أدخلناها و وقفت في باب غرفة الجلوس ، تم اختياري أنا و أختي للذهاب معها ، لم اكن مطمئنة للذهاب معها ، أحلام تغيرت كثيراً خلال الفترة الماضية ، كنا نلتقي كل يوم عند بئر القرية ، لم تكن أحلام التي نعرفها ، أصبحت عدوانية و عصبية و تتحدث مع البنات بشكل عنيف وكأن الجميع أعداءها ، وصلنا إلى بيت أحلام ، و في التاسعة مساءً ذهبنا أنا و هي لحلب البقرة و تقديم الأعلاف و الماء لها ، و تركنا وهيب في الغرفة .
جلست وحدي في الغرفة بعد أن ذهبتا أحلام وخديجة لحلب البقرة ، شعرت بالخوف قليلاً ، أخذت الكشاف بيدي و وقفت أمام الغرفة انتظرهن ، باب الغرفة يطل على سطح القبو الذي فيه البقرة و يحيط بحواف السقف سور من الأحجار الكبيرة بارتفاع متر تقريباً ، وخارج السور يوجد أشجار التين الشوكي الكثيفة ، و باب القبو من خارج المنزل.
بعد دقائق من وقوفي و على ضوء القمر لمحت شيئاً قفز فجأة من بين أشجار التين و جلس فوق أحجار السور على يميني ، بعد أن وجهت ضوء الكشاف باتجاهه ، وقف ثم مشى فوق السور حتى وصل فوق الأحجار المقابلة لي ثم جلس ينظر باتجاهي ، كان بيني و بينه مسافة أربعة أمتار أو أقل ، كان جسمه و طريقته في المشي كأنه أنسان بحجم طفل بعمر 5 سنوات ، إلا أن له ذيل طويل و نحيف ، يكسو جسمه شعر أسود كشعر الأغنام ،
كان وجهه قمحي و نحيف و بدون شعر ، يشبه وجوه العجزة ، عيونه زرقاء لامعة ، ارتعبت منه وهربت إلى الغرفة و أغلقت الباب بقوة ، بعد أن أنهت أحلام حلب البقرة سمعنا وهيب يغلق باب الغرفة بقوة ، و فجأة دخلت أحلام بموجة من الضحك الهستيري ، كانت تضحك و تقول : لقد ظهر لوهيب ، لقد أخاف وهيب ، سألتها ماذا تقصدين ؟ و هي مستمرة في الضحك و لم توضح لي أي شيء .
وضعنا الأعلاف والماء للبقرة ، و طلعنا للغرفة ، وفتح لنا وهيب الباب و جلسنا ، ثم أخذت أحلام تسأله عن سبب إغلاقه للباب بقوة ؟ وصف لنا ذلك الشيء الذي شاهده بالخارج ، وكانت أحلام تشاركه الوصف و كأنها تعرف هذا الشيء جيداً .
ثم حكت لنا أحلام عن هذا الشي منذ البداية ، إلا أنها لم تذكر قصة العجوز ، لأنها لم تدرك أن لهذا الشيء علاقة بها ، كانت تحكي لنا بحماس غريب و تضحك بشكل مرعب ، وكانت ملامحها غريبة أو هكذا تهيء لي .
قمنا للنوم بعد أن أغلقت أحلام الشباك و غطت تحت الباب بالمخدات ، هي نامت خلف الستارة في فراش والدتها ، و أنا ووهيب نمنا في فراشها أمام الستارة.
المصدر : موقع كابوس