مزرعة جدي المسكونة الجزء الثاني


لم أستطع تكملة النظر إليها، أتذكر هذه اللوحة جيدا، لقد رسمها صديقي “خالد” وقد كان بجواري حينها، رسم من أجلي منزل الأحلام، وبجواره جمال الطبيعة كاملا من نخيل وشجار، وبالتأكيد أمطار تهطل ولكنها ليست بحمراء، وعندما عاودت النظر للوحة من جديد، فوجئت بأن الأشجار والنخيل المرسوم بها قد اختفت، ولم يتبقى سوى المنزل وقد خبأته أمطار الدماء!

حاولت جاهدا ذاكرا لله، حتى في النهاية غرقت في النوم، استغرقت في النوم حتى أيقظتني أشعة الشمس والتي كانت في الغيب تدخل أشعتها من نافذة حجرتي، استيقظت وما إن فتحت عيني حتى وجدت أخي الأكبر يجلس بجوار، وكأنه يريد الاطمئنان على حالتي.

أخي: “وأخيرا استيقظت، لم أنم طوا الليل بسببك، ولم أستطع النوم بالنهار مخافة أن تستيقظ بحالتك التي كنت عليها أمس، وحينها أكون غارقا بالنوم ولا أشعر بك، ما بك يا أخي الصغير؟!”

لم أستطع البوح له بما حدث معي، ليس خوفا منه ولكنه دائما ما رآني صغيرا بنظره وانتقدني كثيرا بكثرة حبي لعالم الجن ومحاولاتي الكثيرة لاختراقه لأزداد معرفة به، وما إن غادر أخي من جواري حتى سمعت أصوات متعالية لكلاب المزرعة، كانت تنبح بكامل قوتها وكأن شخصا ما يضايقها، أو يضطرها للقيام بذلك خوفا من شيء.

ركضت تجاهها لأتبين أمرها، ولم أشعر بحالي وأنا أركض إلا بجوار حجرة العامل الخاوية، وعندما غادر عامل المزرعة قام جدي بوضع راديو بها، وكان دائما يجعله يعمل حتى وإن قدم أحد للسرقة سمع صوتا بالحجرة القريبة من بوابة المزرعة فاعتقد أن هناك شخصا فيغادر على الفور دون إحداث أية فوضى.

كنت أشعر بخوف شديد بمجرد اقترابي من الحجرة شعرت بقشعريرة غمرت كامل جسدي، ولكنني ما زلت متمسكا بوصية صديقي “خالد”، ومن جديد صارت أصوات غريبة من حولي كامرأة تصرخ وأطفال يلعبون بالقرب مني، صمدت حتى لا أبين خوفي، ومن بعيد رأيت ضوء سيارة تقترب من بوابة المزرعة.

شعرت بالسعادة حينها، ولكني لم أعرف سبب شعوري بالخوف والرعب الشديد أيضا في نفس الوقت، تسمرت بمكاني لم أستطع الابتعاد، وصلت السيارة ودخلت من البوابة أيضا، جال بخاطري الكثير من الظنون حينها، اعتقدت أنه أحد من الجن، وربما دخيل على المزرعة، ولكنه إن كان حقا دخيلا لم لم تنبح الكلاب؟!

استمرت السيارة واقفة بمكانه كثيرا دون أن ينزل منها أحد، أثار الرعب بداخلي فاضطررت للذهاب وفتح بابها بنفسي (وقوع البلاء ولا انتظاره)، وما إن فتحت الباب حتى وجدته صديقي “خالد”، ويا لسعادة قلبي حينها سقطت على الأرض واتكأت بظهري على السيارة، وضعت يداي على رأسي ألمم أنفاسي التي كادت تنقطع بسبب الخوف الشديد والمواصلة به.

وما إن وطئت قدماه الأرض ضمني لصدره ضمة حنونة جعلتني أنسى همومي وما أعانيه ولو لمدة ثواني، ومن بعدها قصصت له كل ما مررت به بأمس واليوم، وقصصت له الكتاب الذي قرأت منه قدر بسيط من صفحاته الكثيرة؛ هدأ من روعي كثيرا وطمأنني وجعلني أوقن أنها مجرد تخيلات، وبالتأكيد أنني ربطت ما قرأت سابقا بقراءتي الجديدة فخيل إلي كل الأشياء الغريبة التي رأيتها.

رد علي ثقتي بنفسي من جديد، ومن بعدها دخلنا سيارته حتى نرجع للمنزل، أغلقت علينا السيارة وسارت لحالها دون تدخل من “خالد”، أما عني فقد كان بجانبي العجوز الذي رأيته من قبل.

أخذ “خالد” يصرخ من ألم شديد ألم بسائر جسده، حاولت قيادة السيارة عوضا عنه، ولكن كلما التفت بمكان رأيت العجوز ينظر إلي بنظرات كلها سخط، لم أدري بنفسي إلا والسيارة تدخل في شجرة عملاقة على طريق مجهول لا نعرفه.

وعندما استيقظت وجدت أهلي من حولي، بالرغم من كثرة الأجهزة الطبية المتصلة بجسدي إلا أنني نهضت من سريري واحتضنتهم جميعا فرحا، سألتهم عن “خالد” ليطمئن قلبي عليه، أخبروني أنه بالحجرة المجاورة، ولكنني كأن حالة هيستيرية أصابتني لم أصدق كلامهم، شرعت في الصياح عليه والأطباء جاءوا من حولي ليهدئوني، حتى أنهم حاولوا إعطائي مهدئ إلا أنني امتنعت.

جاءني خالد بالكاد يقف على أقدامه، وقتها ارتاح قلبي.

أول ما شفيت قمت بإحراق كافة الكتب المتعلقة بعالمهم، وشرعت في حفظ القرآن الكريم، وبفضل الله مرحلة سوداء واختفت من كل حياتي.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك