الرجل الذئب الذي يلعب دورًا مرعبًا في الأساطير الخيالية ، أو الذي يتصوره الأفلام السينمائية ، متعطشًا للدماء بشعره الخشن ومخالبه الحادة وأنيابه البارزة ، هل يوجد في الحقيقة والواقع ؟ أم أنه نتاج الخيال وأوهام الفلاحين البسطاء ؟ وهل يمكن أن ينقلب الإنسان ، رجلاً كان أو امرأة إلى وحش يهاجم بأنيابه ومخالبه ويمزق لحم البشر ؟.الحقائق الطبية :
من المدهش أن الحقائق العلمية والطبية والتاريخية تؤكد حدوث مثل تلك الأمور ، فحكايات الانسان الذئب ذكرها المؤرخ اليوناني هيرودتس في القرن الخامس قبل الميلاد ، عندما كتب عن المكتشفين العائدين من المستوطنات حول البحر الأسود وحكاياتهم عن الرجال ، الذين يمكنهم أن يتحولوا هناك بفعل السحر إلى ذئاب ، وبعد قرنين ذكرت الأساطير الرومانية تحول الانسان إلى ذئب كعقاب له من الآلهة ، فإذا هام في الغابات مع الذئاب لمدة 9 سنوات ولم يهاجم إنسانًا عاد إلى طبيعته البشرية .الاستذئاب والأساطير :
وتستمر الأساطير مع السنين وتكبردون توقف ، فالذي يولد ليلة عيد الميلاد من المحتمل أن يصبح مستذئباً ، وهناك رجالاً يمسخون هم وذرياتهم ذئباً بسبب خطيئته الكبيرة ، وآخرون يستعينون بالسحر الشيطاني ليتحولوا إلى ذئاب ، ويرتكبوا أعمالهم الشنيعة وجرائمهم البشعة ، كما أن هناك المساكين الذين ليس لهم يد في استذئابهم ، والذين يكافحون للتستر على حالتهم وإخفائها .وقد شهدت القرون الوسطى حكايات مخيفة كثيرة ، عن الرجال الذين مسخوا ذئاباً ، وهاموا في الغابات كقطعان متوحشة تهاجم الحيوانات الأخرى ، وقطعان الماشية ، والإنسان نفسه .الاستذئاب في القرن السادس عشر :
ففي القرن السادس عشر عندما أخذ المستوطنون الأوروبيون يقيمون المستوطنات في أمريكا الشمالية ، وعندما كان هنري الثاني ملكاً على بريطانيا ، وغاليليو ينشر دراساته الفلكية ويخترع تلسكوبه ، في هذه الفترة كانت فرنسا تعيش وسط وهم ديني ، عوقب بموجبه آلاف الأبرياء شنقاً وحرقاً ، بتهمة الهرطقة والسحر والاستذئاب .وقد تم في الفترة بين 1520م و1630م محاكمة 30 ألف شخص بتهمة الاستذئاب ، وإعدام بعضهم من مواطنيهم الفلاحين ، وفي أواخر القرن السادس عشر شنت بريطانيا حملة لصيد الذئاب وقتلها ، نتج عنها بعد 200 سنة استئصال الذئاب كلية من الجزر البريطانية ، غير أن قطعان الذئاب ظلت تسرح في سائر أنحاء أوروبا الأخرى بحرية ، وظلت حكايات الذئاب المخيفة موضوعاً خصباً ، في الأدب الشعبي مثل حكاية ليلى والذئب .حادثة فرنسا :
وهناك حادثة شهدتها فرنسا عام 1598م ، عندما وجد الفلاحون جثة صبي ممزقة فظنوا أن الذئاب قد نهشتها ، وعندما أخذوا يطاردون الذئاب في المنطقة ، عثروا على جاك رولي المتوحش ، والذي كان يعاني من مرض عقلي ، وقد تلطخت يديه بالدم ، وكان شبه عار ، يغطي جسمه شعر طويل ، ولم يكن الطفل أول ضحية له ..إذ اعترف جاك أثناء محاكمته أنه قتل عدة أطفال ، وأكل لحمهم لأنه كان يظن نفسه ذئباً ، وقد حُكم عليه بالإعدام غير أن السلطات في باريس ، خففت الحكم إلى سجن مدى الحياة ، وتم حبسه في مصحة عقلية .بعد مرور سنوات :
وبعد ذلك بسنوات قليلة شهدت قاعة محكمة بوردومثول ، اعتراف اليافع جان البالغ من العمر الثالثة عشر عامًا أنه مستذئب ، فقد كان جان متخلفاً عقلياً ، وذا فك كبير مشوه تبرز منه أنياب مدببة حادة ، وقال ذا يوم لمجموعة من الراعيات وأخبرهن بأنه عقد اتفاقاً مع الشيطان لتحويله ذئب ، وبعد عدة أيام هاجم إحدى الراعيات فتعقبه الأهالي وألقوا القبض عليه .وأثناء محاكمته كرر القول بأنه باع روحه للشيطان ، مقابل معجون سحري بإمكانه تحويله إلى ذئب عندما يريد ، وفي السادس من سبتمبر ، حًكم عليه بالحبس مدى الحياة في أحد الأديرة ، وبعد أن وجد مذنباً بقتل عدة أطفال وأكل لحمهم ، وكثيراً ما ضبط في الدير ، وهو يمشي على أربع أو وهو يمزق اللحم النيء بالمطبخ ، وظل يرفض الاستحمام حتى وفاته بعد سبع سنوات من احتجازه في الدير .الاستذئاب والسنيما :
بيد أن حكايات الرجل الذئب ، لم تنته باستئصال الذئاب في أوروبا ، حيث أخذت السينما تعيد إحياء تلك الأساطير ، مُضيفة إليها حكايات الخفاش مصاص الدماء .حادثة انجلترا :
وفي عام 1975م تهيأ لنجار إنجليزي ، في السابعة عشر من عمره أن روح الشيطان قد تقمصته ، هاتف صديقًا له ذات مرة يخبره أن لون جلده ويده أخذ يتغير ، وأنه أخذ يعوى أحياناً مثل الذئاب ، وبعد أيام وجدت جثة النجار الشاب خارج البلدة وقد غرس في قلبه سكيناً قاتلاً .حادثة عامل البناء :
أما قصة عامل البناء بيل رامزي ، فكانت مختلفة لقد أحس في عام 1987م بالاستذئاب ، وقصد مخفر الشرطة في ساوث اندباسكس ، وهاجم ثمانية من رجال الشرطة ، داخل المخفر فجرح بعضهم بمخالبه قبل أن يحضر أحد الأطباء ويعطيه حقنتين لتهدئته .غير أنه خرق برأسه الباب الخشبي لغرفة الحجز ، وتطلب الأمر حضور المطافئ لكسر الباب وإخراج رأسه المحشور في خشب الباب ، وبعد ذلك تم ادخال رامزي إلى المستشفي لإجراء الفحوصات الطبية.وهناك اعترف بأن مثل هذه الحالة عاودته ثلاث مرات ، خلال ست سنوات حيث كان في كل مرة يشعر بقوة غريبة ، تتملكه فتبرز أنيابه ومخالبه ويأخذ يعوي ويمشي على أطرافه الأربعة ويقوم بأعمال لا تصدق ، لماذا ؟ وكيف ؟.. لا أعرف والناس هم الذين يخبروني بما أفعله بعد ذلك ..التفسيرات العلمية للاستذئاب :
هناك بعض التفسيرات العلمية ، لمثل هذه الحالات ، حيث أن عضة ذئب مسعور تنقل فيروس السعار إلى الضحية ، الذي يأخذ السعار فيرغي ويزبد ويعض قبل أن ينهار بتأثير المرض والموت .غير أنه ليست كل هذه الحالات سببها فيروس السعار ، حيث أن البعض يصابون بحالات كهذه نتيجة تأثير بعض النباتات والحيوانات مثل بعض أنواع فطر عيش الغراب السام ، أو بعض أنواع الضفادع التي يفرز جلدها مواد مهيجة أو سامة .كما أن مرض البورفيريا النادر الحدوث يسبب أيضاً حالات كهذه ، حيث أن المرض يسبب خللاً عقلياً ، يصل إلى حافة الجنون ، كما يتسبب في نمو الشعر ، وتقلص عضلات الوجه وبروز الأنياب ، وفي الحاجة إلى الاحتجاب من ضوء الشمس الذي يؤذيهم ، والحاجة إلى أخذ دم من الآخرين .الاستذئاب والداء الملكي :
إن البورفيريا مرض عضوي قابل للتوارث ، وقد عُرف باسم الداء الملكي ، لأنه كان من بين ضحاياه ماري ملكة اسكتلندا ، والملك جيمس الأول ، والملك جورج الثالث الذي حكم لمدة 60 سنة .والذي ظهر عليه أعراض المرض بوضوح ، في أخر عشر سنوات من حكمه ، مما جعل ابنه الأمير ريجنت يحكم باسمه من عام 1811م وحتى وفاته عام 1820م ، لقد اتسم سلوك الملك جورج الثالث في أواخر حياته بسمات حيوانية .فكان يتوهم أنه يمتلك قوة خارقة ، ويقال أن سلوكه هذا كان من أسباب سعي المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية ، لطلب الاستقلال عن بريطانيا ، فهل كانت أمريكا ستظل حقاً مستعمرة بريطانية حتى اليوم .. لو لم يوجد في بريطانيا ذات يوم ملك مستذئب نصف مجنون !