لا يستطيع أحد أن ينكر أن الأصمعي كان أحد أعظم علماء اللغة في عصره ، وبل ويكاد يكون من الرواد فيها بكل العصور ، لذا حينما يخطئ الأصمعي لابد أن يكون هناك وقفة ، خاصة إذا رده عن الخطأ أعرابي بسيط لا يفقه في اللغة كما يفقه الأصمعي .يُحكى أن الأصمعي كان موجودًا في مجلس يتناقش حول موضوع معين ، وكان دائمًا الأصمعي يحب أن يدلل على كلامه بشواهد من القرآن الكريم والسنة ، وأثناء نقاشه في المجلس أحب الاستشهاد بآية كريمة من القرآن الكريم فقال : (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم .وكان من بين الجلوس في المجلس أعرابيًا ، فقال له : يا أصمعي لمن هذا الكلام ؟ فتعجب الأصمعي من السؤال وقال : هذا كلام الله عزوجل ، فقال الأعرابي بثقة : هذا ليس بكلام الله سبحانه وتعالى.فانتشر اللغط بالمجلس ، وثار الحاضرون على الأعرابي الذي تطاول على القرآن الكريم ، وحاول أن ينكر آية واضحة من آياته ، لكن الأصمعي كان رجلًا كيسًا فطنًا ، فظل محتفظًا بهدوئه وهو يسأله قائلًا : يا أعرابي هل أنت من حفظة القرآن ؟فقال الأعرابي : لا ، فتابع الأصمعي كلامه وقال له : حسنًا هل تحفظ سورة المائدة ؟ تلك السورة التي ورد فيها ذكر هذه الآية ؟ فكان جواب الأعرابي أيضًا بالنفي وقال : لا .فقال الأصمعي : إذًا أخبرني كيف حكمت بأن تلك الآية ليست من كلام الله عزوجل ؟ فقال الأعرابي بثقة مرة أخرى : أنا واثق من أن هذه الكلمات ليست من كلام الله .ومع كثرة اللغط تم إحضار المصحف لحسم الجدال الذي انتشر في المجلس ، وفتح الأصمعي المصحف على سورة المائدة ، وأخذ يبحث عن الآية المنشودة وهو يقول بنبرة الفوز هذه هي الآية. اسمع ، وبدأ الأصمعي بالفعل في قراءة الآية : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّـهِ } .المائدة38.لكنه حينما وصل إلى نهاية الآية وجد أنه قد أخطأ فيها ، فالآية تنتهي بقوله تعالى : (وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
وليس (غفور رحيم) ، وهنا أعجب الأصمعي بنباهة الأعرابي وفطنته ، حيث استطاع معرفة الخطأ في تلك الآية دون أن يكون من حفظة القرآن الكريم .وبلغ الفضول من الأصمعي مبلغه ، فقال : يا أعرابي بالله عليك أخبرني كيف عرفت ؟ فقال الأعرابي : يا أصمعي عز فحكم فقطع ولو غفر ورحم لما قطع .لقد لاحظ الأعرابي بفطرته التي خلقه الله عليها ، أن الآية تتحدث عن حُكم شديد وواضح من أحكام الإسلام ، وهو قطع يد السارق تخويفًا لغيره من إتيان نفس الفعل ودرءا للمفاسد ، فلم يكن من المعقول أن تنتهي الآية بكلمة غفور رحيم بعد تطبيق الحد ، لأن هذا المكان لا يرسخ للمغفرة بل لتطبيق الحد .