في الفترة التي شهدت فيها بريطانيا بواكير الثورة الصناعية ، بدأ الكثير من المواطنين يأتون من الريف إلى المدن ، في محاولة منهم للحصول على وظائف وأعمال ، مما أدى إلى فروع الريف من مواطنيه واكتظاظ المدن بالبشر ، مما ساعد بالطبع على عدم كفاية الأعمال لهذا العدد الضخم ، الزاحف من الريف إلى المدينة ، وبالتالي انتشرت البطالة وعمّت السرقات كافة أرجاء المكان ، وتفشت الجرائم حتى بات السكان يخشون على أنفسهم ، من الخروج من منازلهم .وبالطبع سوف تتصور بأن القوانين لم تكن كافية ، بل هي في الحقيقة كانت مريعة فقد كانت المحاكم تقضي بعقوبة الإعدام في مقابل جرائم تافهة ، مثل سرقة أرنب على سبيل المثال ، كما أنها لم تنجح في الحد من عمليات السرقة ، فرأى القضاة أن مسألة النفي هي الملاذ الوحيد ، وبالفعل كانت أمريكا هي المنفى الرئيس آنذاك ، إلى أن حصلت الولايات المتحدة على استقلالها من القبضة البريطانية ، فصارت استراليا هي البديل .بطل قصتنا ألكساندر هوبارت ، لم يكن سوى لص اتهم بسرقة ستة أزواج من الأحذية ، وكانت عقوبته هي النفي مع بعض المجرمين الآخرين في نظر القانون ، إلى هوبارت التابعة لجزيرة تسمانيا الاسترالية ، حيث حملتهم السفن نحو منفاهم إلى السجن المقصود .كانت المستعمرة سجن مفتوح ، وتم نفي العديد من المُدانين إليه ، وأغلبهم من الأيرلنديين ، ومنهم من قضى عقوبته بالنفي على خير ، حيث قام بتحسين سلوكه لحين عودته إلى وطنه ، وآخرون لم يستطيعوا ذلك وظلوا بعض الوقت بمنفاهم ، والكثير منهم انخرطوا في الحياة الاسترالية ولم يرغبوا بالعودة ، فتزوجوا وكونوا عائلات وأسر وأغلبهم ، هم أجداد الاستراليون المتواجدون بجزيرة تسمانيا حاليًا .كان ألكساندر أحد هؤلاء الذين لم يتحسن سلوكهم ، على الرغم من الحياة القاسية والقوانين الصارمة التي كانت تسير في هذا المعتقل ، وكان قد تم جلد ألكاسندر عدة مرات ، على إثر سوء سلوكه وقيامة بسرقة بعض الطيور ، وسكره وعدم التزامه بالأوامر .بالطبع كان المخالفون للأوامر لهم عقوبات خاصة غير الجلد ، وكانت أهم عقوبة هي النفي إلى جزيرة سارة حيث تقع إلى الغرب من بوباة الجحيم ، وقد كانتا جحيمًا فعليًا فأغلب سكان تسمانيا لم يجرؤوا على اجتياز تلك الغابات المطيرة الموحشة .وأغلب من حاولوا ذلك اختفوا ولم يعودوا منها أبدًا ، وكان السبيل الوحيد للوصول إلى جزيرة سارة ، هو بالسفن التي يمكن أن تتحطم بكل سهولة في مضيق بوابات الجحيم ، والذي كان اسمًا على مسمى ، فكان أغلب المدانون يموتون قبل أن يصلوا إلى سجنهم الجديد هذا .بالطبع في ظروف مثل هذه قد نظن بأنه لن يفكر أحد بالهروب ، نظرًا لوعورة الطريق وأن السبيل الوحيد للهروب إما البحر بأسماكه المتوحشة وتياراته القاسية والموت الحتمي ، أو الغابات المطيرة بما فيها من رعب مجهول ، ولكن هذا لا يعني انعدام المحاولات تمامًا .اجتمع ثمانية من السجناء ، أثناء عملهم الشاق في السجن وكان ألكساندر أحدهم ، وقرروا الفرار من هذا المعتقل ، مهما كانت النهاية فهم حتمًا سوف يكونون في حال أفضل من هذا .انطلق السجناء الثمانية ونجحوا بالفعل في تكبيل المشرف على سجنهم ، وسرقوا أحد القوارب من أجل الفرار به في عرض البحر ، ولكن للأسف كانت المياه شديدة والتيارات قوية فلا يمكن عبورها بقارب صيد صغير ، والأمر الآخر هو أن الحراس الآخرون بدؤوا في مطاردتهم ، فما كان منهم سوى الانطلاق نحو الغابات المطيرة التي طالما ابتلعت أناسًا ولم يعودوا منها للأبد .هرب السجناء الثمانية دون طعام أو مياه ، وظلوا يتجولون على أقدامهم داخل الغابات التي بدت وكأن لا نهاية لها ، وهم يظنون بأنهم إن فروا سوف يصلون إلى الصين ، وكانت تلك هي كذبة العصر حيث ظن الكثيرون ، بسبب الخطأ بأن الصين لا يفصلها عن استراليا سوى نهر صغير ، وفي الحقيقة فإنه المسافة بينهما لا تقل عن خمسة آلاف ميل .جلس السجناء الثمانية منهكون جدًا ، من الجوع والتعب الشديدان ، وهنا قرروا أن يتم الاقتراع على أحدهم ليتم ذبحه وأكله ، وبالفعل تم الاقتراع وقاموا بقتل من وقع الاختيار عليه ، وقاموا بتقطيعه إربًا ووضعوه على النار والتهموه ، ليناموا قرري الأعين عن شبع منذ خمسة عشر يومًا .في اليوم التالي بدؤوا يتساءلون عن الاختيار الجديد ، ففر اثنان منهما ليعودا إلى السجن ، ولكنهما ماتا جوعًا في الطريق ، ولم يتبق هكذا من المجموعة سوى خمسة فقط ، واعتمدوا في تحركاتهم على أحد السجناء الذي كان يعمل بحارًا ، ويعلم الطريق إلى حد ما .هنا كان الاقتراع على الآخرين ، وبدؤوا في قتلهم واحدًا تلو الآخر ، حتى جاء الدور على بيرس المحظوظ ، فأصابت أد الرجلين المتبقيين لدغة أفعى ، فقتلوه وأكلوه حتى بقي للنهاية بيرس وجرينهيل ، البحار الذي قاد المسيرة ، وظل بيرس وجرينهيل بلا طعام لمدة خمسة أيام ، إلى أن وقعا جراء التعب وكل منهما يتحين الفرصة ، للآخر حتى يغفو فيأكله ، وكان بيرس هو الفائز هنا أيضًا .أكمل بيرس المسيرة في طريق لا نهاية له ، حتى وجد نفسه فجأة أمام أحد مخازن الطعام ، لسكان الجزيرة فكانت فرصة عظيمة ومنحة إلهية ضخمة لبيرس ، الذي أكل وشرب حتى امتلأ ، واختبأ فترة ثم خرج ليستكمل مسيرته ، ليلاقي راعي غنم قام بإوائه وإطعامه بدلاً من تسليمه للسلطات .وسرعان ما عاد بيرس لنشاطه القديم فبدأ يسرق الأغنام من الأماكن المجاورة بمرافقة صديقه راعي الغنم ، ليتم القبض عليهما وإعدام الفتى نظرًا لتهربه من الجيش ، بينما أرسل بيرس للسجن على جزيرة سارة مرة أخرى .روى بيرس للقاضي وكان قسيسًا ، ما حدث في رحلته مع زملائه وكيف تم أكلهم ، ولكن لم يمض سوى شهر واحد على عودته حتى فر بيرس مرة أخرى ، مع سجين يدعى كوكحس وهذه المرة لم يخوض بيرس بالغابات .بل اتجه نحو الساحل ، ولكن سرعان ما اكتشف خطأ خطته ، وتم إلقاء القبض عليه عقب 11 يومًا من فراره ، ولكن وُجد بحوزته بقايا لحم بشري على الرغم من أنه كان يحمل مؤن وطعام ، وبسؤاله أقر بأن كوكس لم يكن يسبح وظن بيرس أنه سوف يعيق طريقه ، فقتله ولكن اللحم البشري له لذة ، فأكله بيرس لينال حكمًا بالإعدام شنقًا .