في ليلة من ليالي الشتاء الهوجاء بمدينة أدنبرة الاسكتلندية عام 1998م ، أخذ أحد المشردين يبحث عن مأوى يحتمي به من برد الشتاء القارص ، فلم يجد أمامه سوى أضرحة مقبرة جريفرايرز كيركيارد ، وهي عبارة عن مقبرة قديمة تقع في قلب المدينة ويرجع تاريخها إلى العصور الوسطى .تسلق ذلك المتشرد سياج المقبرة الحديدي وأخذ يطرق أبواب الموتى ، لعلهم يستضيفونه ويحتمي بقبورهم من برد تلك الليلة العاصفة ، ولكن كانت كل الأبواب موصدة عدا باب واحد لضريح دائري الشكل تعلوه قبة حجرية ، كان مفتوحًا بالصدفة لعل متعهدو المقبرة نسوا إقفاله .دخل المتشرد إلى داخل الضريح واستلقى على أرضيته ، لكي يهدأ قليلًا ويشعر ببعض نسمات الدفء ، كان الوقت يشير إلى حلول منتصف الليل ، ولم يكن الظلام قد ألقى بظلاله كاملة على تلك المقبرة ، حيث تسلل إليها بعض الضوء المنبعث من مساكن الأحياء المجاورة ، فاستطاع المتشرد أن يستكشف المكان وهناك وجد فتح ينحدر منها سلمًا حجريًا إلى أسفل المكان .فدفعه الفضول للنظر بالأسفل وهناك وجد أربعة توابيت خشبية تقبع بالقرب من بعضها ، فتخيل أن بها شيء ثمين غير جثث الموتى الراقدين ، وقرر فتحهم واحدًا تلو الأخر ولكنه لم يجد في التابوت الأول سوى بقايا جثة متحللة مر عليها الكثير ، وحينما هم فتح التابوت الثاني انزلقت قدمه وهوى في حفرة كبيرة أسفل المدفن .كانت مليئة بعظام وجماجم الكثيرين ممن ماتوا بسبب الطاعون الذي ضرب المدينة في العصور الوسطى ، وتم دفنهم بصور جماعية في تلك المقبرة ، حينما لمس جسد المتشرد تلك العظام القابعة بالأسفل شعر برعب شديد ، خاصة مع حلكة الظلام وأخذ يحاول الهرب وهو يشعر بأن هناك من يجذبه في الأسفل ، كان يصرخ وهو يحاول الصعود ويرفس بقدميه الهواء ، ظنًا منه أن يرفس هؤلاء الموتى وحينما أصبح خارج المقبرة أطلق ساقيه للريح وهرب .لم تنتهي القصة هنا بل بدأت فيبدو أن ذلك المتشرد في تلك الليلة العاصفة ، أطلق من غير قصد أحد الأرواح الشريرة القابعة بالداخل ، حيث أن العديد من زوار المقبرة أخذ يشتكون من وقوع أحداث غريبة بعد تلك الليلة التي قضاها بالداخل ، فهناك سيدة كانت تزور المقبرة ودفعها الفضول للنظر داخل الضريح الأثري ذو القبة الدائرية .وبينما هي تنظر من نافذة الباب الموصد شعرت بنسمة هواء باردة تأتي من الداخل وتضرب وجهها ، فارتدت بعيدًا عن الباب وفي اليوم التالي حينما استيقظت من نومها ونظرت في المرأة ، وجدت كدمات زرقاء وبقع داكنة على وجهها كأن هناك من أشبعها ضربًا !لم تكن تلك هي الحادثة الوحيدة التي وقعت بتلك المقبرة ، فقد اشتكى العديد من الزوار من حوادث مماثلة ، ولكن العجيب أن تلك الكدمات والجروح التي كانت تصيبهم ، كانت تلتئم بسرعة فائقة خلال أيام قليلة ، وقد كان للسكان المجاورين لتلك المقبرة نصيبًا من تلك الحوادث أيضًا ، حيث ظهرت الكدمات على أجساد بعضهم أ ونشبت النار دونما سبب في منازل البعض الأخر .ومع مرور الوقت انتشرت القصص والشائعات عن تلك المقبرة المسكونة ، حيث تحدث البعض عن ظهور أشباح ووجود حيوانات وطيور مقتولة بها ، الأمر الذي دفع بلدية إدنبرة إلى إغلاقها ومنع العامة من زيارة المكان ، لكن هذا التصرف لم يرق للكاتب المغمور جان أندرو هندرسون الذي وجد في إغلاق المقبرة تصرفً غبيًا سيهدر فرص الاستفادة من شهرة المقبرة .فتقدم للبلدية بطلب تأسيس شركة سياحية تنظم جولات الزوار داخل المقبرة ! وتم الموافقة على طلبه نظير إعطاء جزء من الأرباح للبلدية ، وهكذا تأسست شركة مدينة الموتى التي تقوم حاليًا بتنظيم جولات دائمة لزيارة المقبرة ذائعة الصيت .كان جان هندرسون على قدر من الذكاء سمح له بالترويج لشركته ، حيث ألف كتابًا عن المقبرة سماه الشبح الذي سكن نفسه ، فعادة ما تسكن أشباح الموتى الأماكن التي كان يعيش بها أصحابها من منازل وقصور وغيرها ، ولكن أن يسكن المقبرة التي دفن بها كان ذلك أمر غريب !ويرجع تاريخ تلك المقبرة إلى قرون عدة ، فهي واحدة من أقدم المقابر بأدنبرة ولكن أسوأ ما حدث بها وقع إبان القرن السابع عشر ، ففي تلك الفترة تم تحويل جزء منها إلى معتقل لمئات الأشخاص ومازال هذا الجزء موجودًا حتى الآن ليشهد على تلك الجريمة ، ففي عام 1679 تعرض أكثر من ألف شخص من مؤيدي العهد للوطني للهزيمة على يد القوات الملكية في معركة عرفت بجسر بوثويل .ومنذ تلك المعركة ظل هؤلاء الرجال محتجزين بسجن تلك المقبرة لأكثر من أربعة أشهر دون سقف يظلهم أو طعام يكفيهم ، ومات منهم الكثيرون ومن بقى تم نفيه إلى ما وراء البحار ولكن تحطمت سفينتهم بالقرب من جزر أوركني ولم ينجو منهم إلا 48 شخص فقط .كانت حقبة مريرة مليئة بالدماء والقسوة ، وقد برز فيها اسم جورج مكانزي وهو نبيل اسكتلندي كان له حضور بارز في العديد من محاكمات الساحرات التي انتشرت في تلك الحقبة ، وكان مثقفًا وسياسيًا له حظوة كبيرة عند الملك ، جعلته يوصي بسجن هؤلاء المساكين السابق ذكرهم في مقبرة كيركيارد ، وهو أيضًا من أوصى بتجويعهم وتعذيبهم ، حتى القلائل الذين تم نفيهم وماتوا غرقًا كان هو صاحب فكرة إبعادهم عن المملكة ، لهذا سموه بمكانزي الدموي .لم تدم حظوة مكانزي لدى الملك وفقد مكانته بعد فترة ، وعاش وحيدًا منسيًا بعد أن فقد أبنائه البنين وظلت البنات فقط لينقطع نسل مكانزي بعد ذلك ، وشاءت الأقدار أن يدفن مكانزي بعد موته في نفس مقبرة كيركيارد حيث أقاموا له ضريحًا كبيرًا في تلك المقبرة ! نعم هو نفس الضريح الذي دخله المتشرد وقضى به ليلته المرعبة .لهذا فسر الكثيرين ما يحدث بتلك المقبرة أنه من فعل روح مكانزي الملعونة ، وأن ذلك المتشرد من دون قصد فتح بابًا لكائنات العالم الأخر كي تدخل إلى عالمنا وتعبث به من خلال تحريك الأشياء ، أو اللجوء للعنف كما فعلت مع زوار ضريح مكانزي ، ولعل تلك الكائنات يقصد بها الجن .لم يغني هذا التفسير عن بعض التفسيرات العلمية التي تفترض أن ما يحدث بالمقبرة ، ما هو إلا نتيجة بعض التأثيرات النفسية التي افتعلتها قصص هندرسون ، ومرشديه السياحيين بقصد تخويفهم وإرعابهم لرفع الإثارة لديهم وجذب النظر لتلك المقبرة أكثر ، فتحول القلق والترقب والضغط النفسي لبعض الطاقات الروحية التي اجتمعت على شكل كدمات في أجساد الزوار .وهناك تفسيرات أخرى افترضت أن المقبرة مشيدة على حقل مغناطيسي ، يعكس مجموعة من التأثيرات السلبية على نفسيات وأجساد زوار المقبرة ، وهذا ما يسبب تلك الكدمات بطريقة أو بأخرى ، ولكن تبقى هذه كلها مجرد افتراضات لا يوجد سند على صحتها ، ولكن الأمر الصحيح أن في القبر شيءٌ غريب !