يوجد العديد من الحكايات التاريخية الطريفة والمشوقة ، وكان من بينها حكاية الحجاج بن يوسف الثقفي مع ثلاثة من الغلمان ؛ حيث أنه قد ورد في الكتب التاريخية أن الحجاج قد أعلن أنه سيبعث بحارسه ليتجول بعد العشاء وإن وجد أحدًا في الشارع ؛ فسيقوم بقطع رأسه دون رحمة .وبينما كان الحارس يقضي مهمته في التجوال بالشوارع ليلًا ؛ قابله ثلاثة غلمان يترنحون وكأن هناك أثارًا لشربهم الخمر ، حينها قال الحارس بصرامة : مَن أنتم لتقوموا بمخالفة أمر الأمير ؟ ، لم يشعر الغلمان بالخوف من أسلوب الحارس ؛ بل وقفوا صامدين يُجيبون على سؤال الحارس بكل بلاغة .أجاب الصبي الأول قائلًا : أنا ابن من دانت الرقاب له .. ما بين مخزومها وهاشمها.. تأتي إليه الرقاب صاغرة.. يأخذ من مالها ومن دمها ، وهنا قام الحارس بالإمساك عن قتله لأنه اعتقد أنه قد يكون أحد أقارب أمير المؤمنين .وقام الصبي الثاني بالإجابة البالغة على نهج زميله الأول ؛ حيث قال : أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره .. وإن نزلت يومًا فسوف تعود .. ترى الناس أفواجًا على ضوء ناره .. فمنهم قيام حولها وقعود ، فامتنع الحارس أيضًا عن قتله لأنه ظنّ أنه ابن أحد أشراف العرب .لم يكن الصبي الثالث أقل فصاحة من زميليه ؛ حيث أجاب قائلًا : أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه.. وقومّها بالسيف حتى استقامت .. ركاباه لا تنفك رجلاه منهما .. إذا الخيل في يوم الكريهة ولّت ، ولم يقم الحارس بقتله اعتقادًا منه أنه أحد شجعان العرب .في اليوم التالي قام الحارس برفع شأن الثلاثة غلمان إلى الحجاج الذي أمر بإحضارهم ، وكانت المفاجأة أنه اكتشف أن الصبي الأول ابن حَجّام ؛ وكان الثاني ابن فوال ؛ أما الثالث فكان ابن حائك .أثارت إجابات الغلمان الثلاثة تعجب الحجاج من تلك الفصاحة التي تحدثوا بها ؛ فنظر إلى جلسائه قائلًا : علموا أولادكم الأدب ؛ فوالله لولا فصاحتهم لضُربت أعناقهم ، وبالفعل أمر الحجاج بالعفو عنهم ، ثم قال مُنشدًا : كن ابن مَن شئت واكتسب أدبًا .. يُغنيك محموده عن النسب .. إن الفتى مَن يقول “ها أنا ذا”.. ليس الفتى مَن يقول “كان أبي” .استطاع الثلاثة غلمان أن ينقذوا رقابهم من سيوف الحجاج بفصاحة لسانهم ؛ والتي كانت لها مكانة مميزة عند العرب الذين عشقوا الشعر وأبدعوه وحفظوه عن ظهر قلب ، وأصبحت هذه القصة من طرائف وعجائب الحكايات التاريخية المميزة .