ورد بالأدب الإيطالي العديد من القصص التراثية التي تعبر عن الوضع الإنساني للبشر في هذه الحياة التي تبدو متقلبة ، وذلك لأن الحياة الإنسانية لا تمضي على وتيرة واحدة بل قد تتغير كل لحظة وقد تتبدل الأحوال وتختلف من حال إلى حال ، والإنسان بطبيعته يُصاب بداء التغير والتحول وقد يكون ذلك التحول إلى الأسوأ وقد يكون إلى الأفضل ، ولكنها الحياة بكل أحوالها تمضي ويسابقها الإنسان .ومن القصص التي تحدث عنها الإيطاليون قصة ذلك الرسام الإيطالي الذي استدعاه الحاكم ذات يوم ، ثم طلب منه أن يقوم برسم لوحتين متناقضين تمامًا حيث أراد أن تكون واحدة تعبر عن صورة ملائكية نقية والأخرى تُبرز شكلًا شيطانيًا لكي يضعها عند باب المركز الروحي الأكبر في البلاد ، وذلك من أجل أن يرصد الفارق الكبير بين الفضيلة والرذيلة في حياة البشر .قام الرسام برحلة بحثه عن صور تعبر عن هاتين الحالتين المتناقضتين ؛ إلى أن رأى ذات مرة طفل صغير تطل السكينة والراحة من وجهه الجميل وتبدو عيناه كبحر من الأمل والسعادة ، إنها البراءة التي وجد فيها الصورة الملائكية ، ذهب على الفور إلى أسرة الطفل وطلب منهم أن يجلس كل يوم ليرسم الطفل مقابل أجر مادي .تمكن الرسام بعد مرور شهر من الانتهاء من رسم صورة الطفل الجميل والتي ظهر فيها قليل من إبداع الرسام الذي اعتمد فيها بشكل كبير على وجه الطفل فقط ليعبر به عن البراءة والروح الملائكية ، كانت لوحة الطفل هي الأروع في ذلك الزمان .بدأ الرسام في رحلته الأخرى للبحث عن شخص يعبر عن الشيطان وكان يبحث بجدية في ذلك الأمر ، استمر الرسام يبحث ويبحث حتى طالت عملية بحثه التي بلغت عشرين عامًا متواصلة دون أن يصل إلى ما يبحث عنه ، في ذلك الوقت كان الحاكم يخشى أن يحول الموت بينه وبين رؤية هذه اللوحة التي تتناقض مع لوحة الطفل .قام الحاكم بالإعلان عن جائزة كبرى لأكثر وجه يعبر عن الرعب ، وقام الفنان على إثر ذلك بزيارة السجون والحانات والعيادات الخاصة بالأمراض العقلية والأماكن التي يتواجد بها المجرمون ؛ غير أنه رآهم بشرًا رغم كل عيوبهم ، لم ير الرسام أي صورة للشيطان في أولئك البشر .وذات يوم عثر على مبتغاة حيث وجد رجلًا يبدو سيئًا للغاية يشرب الخمر في إحدى زوايا الحانة ، كان الرجل يبدو بشكل قبيح جدًا ورائحة قذرة وله بضع شعرات تنبت في وسط رأسه الصلعاء وكأنه شكل من أشكال رؤوس الشياطين ، ذهب إليه الرسام ليخبره عن أمر اللوحة التي سيرسمها له مقابل أجر مادي ، وافق ذاك الرجل القبيح على عرض الرسام على الرغم من أنه كان مخمورًا للغاية وقد يكون لم يفهم كلام الرسام .بدأ الرسام في رسم لوحته وبعد عدة جلسات مع ذلك الرجل القبيح ؛ نظر إليه ذات مرة فوجد دمعة تنسحب بهدوء على خده فتعجب الرسام وسأله إذا كان يريد أن يشرب الخمر أو أن يُدخن ؛ فأجابه الرجل بالنفي وكان صوته يبدو مختنقًا من أثر البكاء المحبوس في جوفه .ولكنه تحدث قائلًا : لقد قمت بزيارتي يا سيدي منذ أكثر من عشرين عامًا مضت حينما أوحى إليك وجهي بتلك الصورة الملائكية ؛ أما اليوم فوجهي يعبر عن صورة الشيطان ، لقد بدلتني الأيام حتى أصبحتُ بذلك الشكل القبيح ، انفجر الرجل في البكاء ثم ارتمى في أحضان الرسام ، وجلسا الاثنان يبكيان أمام صورة ذلك الملاك الذي تحول إلى شيطان .