قصة المماليك

منذ #قصص منوعة

دائمًا ما يرتبط اسم المماليك في أذهان العامة بصورة غريبة توحي بأنهم فرسان يمتطون خيولهم القوية ، ويعربدون بغطرسة وجبروت في شوارع المدن يروعون الناس وينشرون بينهم الرعب والظلم ويخربون البلاد والعباد ، ولكن هذه الصورة معتمة وظالمة فالمماليك لم يكونوا همجيين وقتلة ، فلم يكن بيبرس أو قطز أو حتى قلاوون قومًا ظالمين أبدًا ، ولكنهم تصدوا للمغول والصليبين وقضوا على الوجود الصليبي من الأرض العربية كافة .أما إن أردت أن تعرف المماليك على حقيقتهم فهم قوم من مناطق إسلامية مختلفة ، ومن جنسيات متعددة منها بلاد التركستان ، وبلاد القوقاز ، وآسيا الصغرى ، وشبه جزيرة القرم وغيرها ، وقد تحولوا من عبيد اختطفوا من بلادهم إلى حكام يحكمون أقوى دولة على مدار أكثر من 270 عام .المماليك هم فرسان للحضارة الإسلامية والعربية في مرحلتها الأخيرة ، قبل أن تدخل كل البلدان العربية تحت حكم الدولة العثمانية التي حكمت منذ بداية القرن الـ 16 إلى القرن الـ 20 ، وقد برز دورهم حينما دار الصراع بين أبناء البيت الأيوبي ، فتبناهم الصالح نجم الدين أيوب واستخدمهم في حسم حروبه ، بدلاً من المرتزقة الذين أذاقوه مرارة الخيانة في حروبه ضد أقاربه الأيوبيين .والمماليك يقسمون إلى قسمين هم المماليك البحرية : وهم هؤلاء الذين جلبهم الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وبنى لهم قلعة بجزيرة الروضة ثم اختار منهم فرقة سميت بالفرقة البحرية ولذلك سُموا المماليك البحرية نسبة لها ، والقسم الثاني منهم : المماليك البرجية وهم الشراكسة الذين جلبهم السلطان قلاوون لكي يرسخوا لحكمه ويدعمون مركزه ، وقد فعلوا كل ما أراد إلى أن استولوا هم أنفسهم على الحكم من أحفاده الذين جاءوا من بعده .أما عن تسمية المماليك البرجية بهذا الاسم فذلك لأن السلطان قلاوون جعل أبراج القلعة مقرًا لسكنهم ، وكان للمماليك دورًا بارزًا في معركة فارسكور والمنصورة ضد الحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع ، وبفضلهم تمت هزيمة لويس التاسع وأسره بعدما تمزقت قواته بين أسير وقتيل .كما أن معركة عين جالوت كانت خير شاهد على بسالة المماليك ، ومدى قدرة قطز والظاهر بيبرس في صد هجوم المغول عن المنطقة العربية بعدما سيطر المغول على الخلافة العباسية ببغداد ، ولم يكن إحراز الانتصارات في الحرب وحده هو فضيلة المماليك الوحيدة ، فقد كان ملوكهم وسلاطينهم من عز الدين أيبك و شجرة الدر، وسيف الدين قطز ، والظاهر بيبرس والمنصور قلاوون، وأولاده وأحفاده ، الأشرف خليل ، والناصر حسن ، والناصر محمد وغيرهم هم أهل حرب وسياسة أيضًا .فقد كانت لديهم رؤية اقتصادية حكيمة ودبلوماسية محنكة ، جعلت الأحوال تنتعش تحت حكمهم فساد الأمن في ربوع السلطنة ، التي امتدت من الشام والعراق إلى اليمن وبحر العرب جنوبًا ومن ليبيا غربا إلى دجلة والفرات شرقًا ، حيث توحدت تلك المناطق وانتشرت التجارة فيما بينهم .وكانت عواصم دولهم مقصدًا للعلماء والتجار والأطباء والحكماء والأدباء والشعراء ، وساد في عهدهم عصرًا من السلام الإسلامي كفل حرية انتقال الأفراد والأموال بين الدول بحرية تامة ، وكانت عاصمتهم آنذاك القاهرة مقصدًا للرسل ووجهة للسفراء القادمين من أوروبا وبيزنطة والحبشة ، فقد كان الكل يطلب ودهم وصداقتهم في ذلك الوقت .وذلك لأن دولة المماليك في بدايتها كانت قوية مزدهرة ومهابة في الخارج بسبب قوة حكامها ورخاء أحوالها ، ويتحدث ابن خلدون عن المماليك فيقول : إن الحكم في زمن المماليك هو (سلطان ورعية) أي أن السلطة تتمركز في أيدي أرباب السيوف ومماليكه ، الذين يدافعون عن الدولة ضد أعدائها وينشرون الأمن بالداخل .ومما عمل على تقدم المماليك هو مساندة الرعية لهم وتقديمها يد العون ، أي أن أهل البلاد والعباد من أصحاب الإدارة والتشريع والتجارة وغيرهم ، ساهموا في إدارة الأمور الاقتصادية وأمور العامة من الشعب ، فحدث نشاط اقتصادي بكل فروع الدولة عمل على تقويتها وتدعيمها ، وتظهر أثاره المماليك وفنونهم الرائعة في عواصم تلك الدول التي حكموها ؛ كفلسطين والشام والحجاز ومصر وغيرها من الدول التي حكمها المماليك العظام .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك