قصة النبوءة

---

كثيرًا ما نخوض تجارب فريدة في حياتنا ، قد تكمن فردية التجربة أو غرابتها في تفاصيلها ، أو الأحداث التي احتوتها ، والأهم من ذلك هو أن العديد من التجارب المميزة والتي يتذكرها البعض جيدًا تكون ما ورائية أو متعلقة بعالم الجان أو الغيبيات ، والتنبؤ أو الاستبصار هو ملكة لا توجد لدى العديد منا ، بل تسيطر فقط على قلة قليلة بيننا وبالطبع يكون لهم سمات مميزة ، تجعلهم جديرون بها ، فهل خضت تجربة تنبؤ من قبل ؟البداية :
يقول الراوي ، أنا ولد وحيد لأبوين كبيرا بالسن ، رزقا بي عقب مرور أكثر من عشرة أعوام على زواجهما ، خاضا خلالها تجارب وأسفار عدة من أجل الإنجاب ، فكما نعلم جميعًا وخاصة في المجتمع الريفي أن الأهل والأقارب يهتمون كثيرًا بمسألة الإنجاب ، خاصة عقب أن يحدث الزواج.أتيت إلى الدنيا وقد كان من المفروض أن يتهم بي والداي ، إلا أنني نشأت وتربيت في منزل جدتي ، وعندما صرت شابًا سريعًا ، أصبح والداي كل همي ولابد لي من الاهتمام بهما ، بدلاً من العكس.في أحد الأيام مرض والدي مرضًا شديدًا ألزمه الفراش ، وفشلت كافة الأدوية والعقاقير الطبية في مداواته ، وصرح لنا الطبيب عقب زيارته بأن والدي يحتضر حقًا وما بيدنا شيء سوى الدعاء له.مرت بضعة أيام على تصريح الطبيب ، ثم استيقظ أبي في أحد الأيام التالية وطلب من الجميع أن يخرجوا إلى خارج غرفته وطلب مني البقاء وحدي معه ، بالفعل ظللت بجواره ، ولكنه أخذ يحملق بالجدران طويلاً ، ويصعد ببصره ثم ينزلهما وكأنه يشاهد أحدًا يتحرك من السقف إلى أرض الغرفة ، وأن لا أراه بينما يراه هو فقط.توترت قليلاً ثم بدأت أحدثه مداعبًا أن الأمر لا يدع للمزاح ، يقول الراوي أن والده قد نظر له نظرة عميقة للغاية وقال له بصوت وكأنه قد استعاد عافيته مرة أخرى ، سوف تتزوج سميرة ابنة خالتك ، وسوف تنجب طفلين ذكور ، وسوف تفقد عملك ولكن لا تقلق سيعوضك الله ، وسوف تتوفى خالتك وأنت ذاهب إلى رحلة الحج ، وأبنائك أسرع بإنقاذهم ووالدتك سوف تروي لك كيف يمكنك أن تفعل ذلك.دهشت كثيرًا ولا أدري إن كانت وصية أم نبوءة ؟ غاب بعدها والدي عن وعيه يومين ثم فارق الحياة كلها في صمت ، مر عامان على ما حدث ، ثم جاءتني والدتي تستشيرني في إمكانية الزواج من سميرة ابنة خالتي ، فابتسمت ضاحكًا وأخبرتها أنها كانت وصية والدي ، ففرحت أمي وأوصتني هي أيضًا بالزواج من سميرة.تم الزواج ، وأنجبت سميرة طفلين ذكور توءم ، وهنا استعدت شريط ما قاله والدي كاملاً وتساءلت هل كان يعلم والدي ما حدث ؟ أم هل كان منوطًا به أن يخبرني بكل ما حدث لسبب ما.حدثت اضطرابات في البلاد ، وأغلقت الشركة التي كنت أعمل بها وتم الاستغناء عني ، ثم وفقني المولى وتم تعييني في شركة أخرى وراتب أفضل ، ومع كل ما يحدث كنت أتأكد أن والدي كان يرى الغيب ، وكانت الشركة التي أعمل بها تقوم بعمل قرعة للرحلات الحج ، فقمت بالحجز بها نظرًا لأسعارها المخفضة وطلبت خالتي أن أضع اسمها .مرت الأيام وتم قبول اسمي ، هنا تأكدت بأن ما قاله أبي قبل وفاته كان نبوءة ، فأخذت زوجتي وذهبنا لزيارتها قبل يومين من مغادرتي لرحلة الحج ، وظللت بجوار الهاتف منذ أن سافرت أترقب الخبر.لم يمض يومان حتى أتاني صوت زوجتي بالهاتف لتخبرني بأن والدتها قد توفت إثر حادث انقلاب سيارة ، هنا أدركت أن طفلاي في خطر ، فكل ما حدث أخذ سنوات ، وهنا عقب عودتي إلى موطني سردت كافة ما حدث لوالدتي ، ولكنها نفت أن يكون كل ذلك نبوءة ، ولكن لهفتي على طفلاي جعلتها تقسم باكية بأنها لا تعرف شيئًا عما يحدث أو ما قاله والده.ظللت ثلاث أعوام أذهب لبعض الدجالين والشيوخ في منازلهم ، حتى أتاني أحد الشيوخ وذكر أن كل ما يحدث هو تلبيس من الشيطان ، فإذا كان ما رواه والده صحيحًا فلن يستطيع أن ينقذ طفلاه ، فلا يمنع قدر الله أي شخص ، استسلم الراوي وعادت حياته إلى صوابها مرة أخرى.اتفق الراوي مع زوجته أن يخرجا سويًا ، ولكن مرضت والدته واحتجزت بالمشفى ، هنا ظل الراوي إلى جوار والدته فقد كانت قد أصيبت بالسرطان في مرحلة متقدمة منه ، وفي إحدى الليالي استيقظت والدته وقالت له يوصيك أبيك بألا يذهب الطفلين إلى البحر ، على الأقل ليس هذا العام ، أعقبها وفاة الأم.بالطبع منع الراوي طفليه من الذهاب إلى المصيف أو أية أماكن بها حمامات سباحة ، حتى عام مضى ، وظل الراوي يفكر بأنه لو لم يعلم الغيب لما كانت تحولت حياته إلى جحيم بهذا الشكل ، وقال له أحد أصدقائه أن الأمر لا يعد كونه نبوءات مستقبلية وأن والديه كانا مقربين من المولى عزوجل  ، فكشف عنهما الغطاء قبيل وفاتيهما ، وعليه ألا يجعل التفكير في مثل تلك الأمور يقوده إلى الهاوية.فبدأ الراوي في التعامل مع الأمر بشكل أكثر تبسطًا ، محاولاً أن ينسى كل ما حدث ، ولكن هيهات ، فقد كان كل تفكيره منحصرًا في موعد اختيار طفليه للذهاب إلى البحر ، ومتى سوف يحدث لهما ما يكره هو؟ هل هي نبوءات أم وصايا حقيقية ؟