بروش شيلو .. بروش شيلو .. صاح الجندي المختبئ خلف سيارة الجيب العسكرية بفرح ، ودون أن تهتز بندقيته المنتصبة أمامه ، والتي بدت وكأنها جزء منه ، وقد كان يكز على أسنانه ، فتخرج العبارة التي رددها عدة مرات ، حادة ومثيرة كأنها صلية رشاش ، ثم أخذ يقفز جذلا، فيما كان مصطفى، الفتى الذي أصابته الرصاصة في رأسه ، يتهاوى مثل جذع شجرة يانعة ، قصة منشار على حين غرة ، يترنح يمينًا فتميل الأرض معه باتجاه اليمين ، ثم يميل شمالا فتميل الأرض معه ناحية الشمال ، ثم يكبو على ركبتيه ويتطلع بنظرات مذعورة إلى كائنات غير منظورة لفها الأفق ! .مخيم عسكر نابلس :
منذ ساعات والجندي عازارا يراقب الفتى الذي كان ينطلق كالسهم من زاوية لأخرى ، يكتم غيظه ، ويتحين الفرصة للتصويب ، رغم أنه كان قد انضم منذ الصباح ، متثاقلًا إلى المجموعات المشرفة على أمن مخيم عسكر في نابلس ، بعد أن قضى ليلة خائبة مع صديقته راحيل ، حاول طوالها أن يثبت رجولته معها حتى الصباح ، لكنه لم يفلح ، وكان يمنّي النفس لويطول به الوقت ، فحمل شعوره بالإحباط والغيظ من حيوية هؤلاء الفتية ، الذين لا يأكلون ولا يتعبون !التفكير وإنهاء المهمة :
وما عاد يفكر في شيء سوى أن ينهي مهمته بأسرع ما يمكن ، ليعود إلى فتاته يحاول معها مرة أخرى ، وبقي هكذا طوال يومه ، وكلما ألقى فتى بحجر، تذكر قذفته الخائبة وضحكات راحيل فيضطرب كيانه ، وتنطلق منه الرصاصات عشوائيًا وبكثافة في كل اتجاه ، حتى إذا ما أصاب الرأس صاح منتشيًا ، بروش شيلو ، ومن البعيد كان يخال وجه راحيل يفتر عن علامة الرضا ، فيهدأ قليلا ثم تدفعه النشوة ، ليحاول مرة أخرى .الحبيبة :
التقاها عصر أمس ، وسارا يد بيد في شارع هادئ ، تلفها السعادة ، كطائرين التقى أحدهما الآخر أول مرة ، ينظر إلى المتطاير من خصلات شعرها ، بعد أن تنكسر أشعة الشمس وهي تهوى صوب المغيب ، يجتاحه الخيال والأمل ، فيهمس كعاشق عذري ، بعد أن يلتفت حواليه : أحبك .. تحمر وجنتاها ، وتطرق برأسها ، في حين تتكور أصابعها في حضن يده المتعرقة ، وبعد إلحاح منه ، تهمس : وأنا كذلك ، لكنني قلقة عليك يا مصطفى ! فيجيبها الحماس : لا عليك ، يمكنني أن أقاتل الدنيا بحبك .القاتل :
وحين افترقا قال لها : موعدنا غدًا ، أو بعد غد ، بعد شهر أو بعد سنة ، أو قرن من السنين ، في وطن جميل ، لا قتل فيه ، ولا غبار ! غام الأفق وانتثر الغبار ، لكنها جاءته على عجل بفستان أبيض ، وكان لها جناحا ملاك ، مدّ يده ليطير معها مخترقًا حواجز السنين الراعفة ، ثم تطلع بعينيه للمرة الأخيرة ، وصوب نظره باتجاه قاتله ، وهتف : القاتل .بروش شيلو :
انتبه رفاقه من حوله إلى الجندي عازار فتوقف برهة ، وفتح سحاب بنطاله ، وقبل أن يعاود ترديد عبارته التي كانت تختلط مع أصوات الرصاص ، والجلبة في الجهة المقابلة ، صوب فتى مقلاعه وقذف به باتجاه الجندي المنتشي لقذفته القاتلة ، عندها ترنح الجندي من الألم ، ودون أن يقوى على كتم صرخته ، انطلقت العبارة من فمه : يا حيوان بروش شيلو !… وبروش شيلو في العبرية تعني : في رأسه .