يحكي أن ملكًا كان يعيش في أحد البلاد الواقعة على مجرى نهر النيل العظيم ، حيث يتدفق النهر خلال الغابة الواسعة ، وكان لهذا الملك ابن وحيد اسمه سامبا ، كان الملك في شبابه محاربًا شجاعًا ، لكنه الآن أصبح عجوزًا ، وحين كبر سامبا وأصبح قويًا وسيمًا ، صار الملك يفخر دائمًا بابنه الذي عرفه الناس طيبًا لطيفًا ، وأحبوه جميعًا.لكن الملك كان قلقًا لأن ابنه يخاف من أشياء كثيرة ، فعندما كان سامبًا صغيرًا ، كان يجري مبتعدًا إذا سمع وقع خطوات فيل ، ويصرخ إذا شاهد أثار أقدام أسد ، وكان الناس يقولون : إنه لا يزال طفلًا ، وعندما يكبر سيصبح شجاعًا ولا يخاف من شيء ، وسيأتي يوم يعينه والده قائدًا للجيوش.وكم شعروا بالفرح عندما جاء اليوم ، وتولى سامبا قيادة الجيش ، قال الناس: سوف نعيش في امان فإن سامبا قوي يستطيع أن يحمينا من اللصوص ويدافع عنا ، وكان الأب يتابع في سعادة قوة ابنته ومهارته ، إلا أنه ظل قلقًا عليه ، فقد كان يلاحظ تجنبه للألعاب الخطرة ، وابتعاده عن فرق الصيد .وذات يوم أغار اللصوص على المملكة وسرقوا والمواشي والأغنام وأسروا معهم بعد الرعاة عبيدًا لهم ، فبحث الناس عن سامبا ليسترد كل ما سرق منهم وينقذ الرعاة لكنهم لم يجدوه ، لقد اختفى ، وكان على الملك رغم كبر سنه أن يتقدم على رأس المحاربين ليقاتل اللصوص ، ويسترد ما سرقوه .وبعد عدة أيام ظهر الأمير سامبا ، وأخذ يردد قصة ملفقة يحكي فيها كيف طارد أسدًا كبيرًا في الغابة وانقض عليه حتى قتله ، لكنه لم يستطع حمله وإحضاره معه لثقل وزنه ، ولكن الناس لم يصدقوه ، وأخذ يقولون أن الأمير سامبا جبان ، وظل الجميع يردد ذلك حتى غضب الملك على ابنه ولم يعد يشفق عليه.لم يستطيع سامبا أن يتحمل كل هذا ، وقرر ترك المملكة والذهب لمملكة أخرى لا تعرف الحروب ولا العنف ولا المعارك ، فامتطى حصانه في رحلة طويلة شاقة ، لازمها فيها الخوف والفزع ، فكان نهارًا يخشى من اللصوص ، وليلًا يخشى من الحيوانات المفترسة.وبعد فترة وصل سامبا إلى مدينة عظيمة ترتفع أسوارها إلى جوار النهر ، ومر من أمام القصر الملكي ، وقد رفع رأسه فى اعتداد الملوك ، فلما رأته ابنة السلطان من شرفتها أعجبت به لقوته ووسامته ، وطلبت من خدمها أن يذهبوا للتعرف على هذا الوسيم الغريب ، فعاد أحدهم بعد قليل ، وقال لها أنه أمير من سلالة الملوك ، فدعته الأميرة لمقابلتها ، ولما رآها أعجب بها هو الآخر ، فطلبت الأميرة من والدها أنه تتزوجه رغم أنها رفضت قبله ملوكًا وأمراء.وبالفعل تزوج سامبا الأميرة الجميلة في احتفالات عظيمة ، وكان سامبا زوجًا محبًا ذكيًا عاش مع زوجته في سعادة وهناء ، وكانت الأميرة فخورة بزوجها القوي الوسيم ، ولم يمض وقت طويل على الراحة والهدوء الذين غمروا المملكة ، فقد أغار اللصوص على المدينة أثناء الليل ، وقتلوا الرعاة ، وسلبوا عددًا كبيرًا من قطعان الماشية.وعندما اكتشف الملك الخسارة في الصباح ، أصدر أوامره بقرع قبول الحرب ، وبأن يتولى الأمير سامبا قيادة الجيش ، فارتفعت هتافات المقاتلين مرحبة بذلك القرار ، ولكن سامبا لم يسمع هتافاتهم ، فقد اختفى عن الأنظار ، وعندما بحثت عنه الأميرة وجدته مختبئًا في حد مخازن القصر المظلمة ، فبذلت معه جهدًا كبيرًا كي يترك خوفه ويذهب لساحة القتال لكنها فشلت في ذلك.وأخيرًا قررت الأميرة أن تأخذ درعه وتمتطي حصانه وتحارب بدلا عنه حتى لا يلحق بهما الخزى والعار ، ويسخر الشعب من جبن الأمير ، فلم يتردد الأمير في إعطاء الأميرة درعه وخوذته ، فخرجت وامتطت حصانه وحاربت الأعداء على رأس الجيش ، وحققت عليهم انتصارات كبيرة ، وتجمع الناس على باب القصر لاستقبال عودتها ظنا منهم أنها الأمير سامبا.لم تنطلي خدعة الأميرة على أخيها الأصغر ، وشك أنها هي من قاد الحرب وليس زوجها ، وأخبر إخوته بذلك لكنهم لم يصدقوه وسخروا منها ، فقال لهم سأثبت لكم ذلك إن أعلنت الحرب مرة ثانية ، وبالفعل أغار الأعداء مرة ثانية على المملكة انتقامًا من هزيمتهم الساحقة ، فحاولت الاميرة إقناع زوجها سامبا بالخروج للحرب ولكن دون فائدة .ومثل المرة السابقة أخذت الأميرة درع زوجها وخوذته وامتطت حصانه ، وحققت نصرًا كبيرًا على الأعداء ، ولكن تلك المرة اقترب منها أخيها الأصغر وجرحها في ساقها برمحه ، لكي يتأكد إن كانت هي التي تحارب أو زوجها الأمير ، فلما عادت الأميرة إلى القصر أحست بجرحها ، وطلبت من زوجها أن يجرح نفسه حتى يتيقن الجميع أنه من حارب ، ولكنه انتفض رافضًا في فزع فقد كان يكره منظر الدم ويخشاه .ولما أدار ظهره لتحية سكان المملكة من الشرفة ، سحبت الأميرة رمحه وجرحته في ساقه ، وبعدها أشاعت في القصر نبأ إصابته وطلبت الأطباء لمداوة الجرح ، وهنا تيقن الجميع أن سامبا من حارب حتى الأخ الأصغر خارت شكوكه ، وصارت بالية.وبعد يومين تجمعت كل عصابات الأعداء مع زعمائها ، وعادت لمهاجمة المدينة ، أملا في الانتقام وإحراز النصر ، وعندما دوت طبول الحرب ، نهضت الأميرة وذهبت لزوجها تحثه على الخروج ، لأن إصابتها كانت سيئة لن تقوى بها على الحرب ، وسينكشف أمرها إن خرجت ، ولكن دون فائدة كان خوف الأمير أكبر من كل توسلاتها.فاتفقت معه أن يخرج أمام الشعب في مقدمة الجيش ، وستقابله هي عند حافة الغابة لاستبدال أماكنهم ، فوافق سامبا على الخطة ، وبمجرد أن امتطى الحصان ، ضربته الأميرة بالسوط ضربة قوية ، فانطلق كالريح خارجًا من أبواب المدينة ، وخرج خلفه كالسهم كل المحاربين ، وبعد لحظات وجد الأمير نفسه في وسط المعركة ، ولأول مرة وجد نفسه محاطًا بالخطر من كل جانب ، فقرر أن يحارب من أجل حياته.وهكذا حدثت المعجزة وتغلب سامبا على خوفه ، فقد وجد شجاعته وآمن بها حين أيقن أنه لا مفر من القتال ، واكتشف أن الشيء الذي كان يخشاه هو الخوف نفسه ، وحينما وجد نفسه يقاتل من أجل حياته ، نسى الخوف وانهال بسلاحه على الأعداء حتى قضى عليهم تمامًا ، وكان النصر في هذه المعركة له طعم خاص ، فقد انتصر سامبا على خوفه وعلى أعداءه.وحين عاد إلى المملكة كانت هتافات الشعب أكبر من أي مرة واستقبله الملك بنفسه عند بوابة القصر ، وبينما كان سامبا يضع غنائم النصر الثمينة عند قدمي الملك : قال له : يا بني كم أنا فخور بك لشجاعتك ودفاعك عن شعبي ، إنني مدين لك أخبرني كيف أكافئك ؟قال سامبا الذي وجد أخيرًا شجاعته : يا مولاي أنت لست مدينًا لي بشيء ، في الحقيقة أنا المدين لابنتك وزوجتي العزيزة لأنها حولت رجلًا جبانًا إلى قائد شجاع ، وجعلته يحرز انتصارين في هذا اليوم ، الانتصار الأول على نفسه ، والانتصار الثاني على أعداء الشعب .